الفقرة الأولى: الحالات المقرر فيها قانونا بطلان إجراءات التحقيق الإعدادي
استنادا إلى منطوق المادتين 210 و212 من قانون المسطرة الجنائية، حدد المشرع المغربي المقتضيات القانونية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي التي ترتب البطلان جراء مخالفتها.
والبطلان كجزاء يلحق بعض إجراءات التحقيق المعيبة يمكن تقسيمه إلى بطلان قانوني، حيث حددت المادة 210 من القانون نفسه ثلاث فئات من الإجراءات الشكلية والموضوعية، التي يترتب عن خرقها بطلان الإجراءات المعيبة وكذا الإجراءات التي تليها، مع مراعاة بطبيعة الحال تقدير نطاق هذا البطلان من طرف الغرفة الجنحية، التي لها الصلاحية أن تبت في ما إذا كان يجب أن يقتصر البطلان على الإجراء المطعون فيه وحده، أو يمتد كلا أو بعضا للإجراءات الموالية له.
وقد يكون هذا البطلان قضائيا، كما نصت على ذلك المادة 212 من القانون ذاته، وذلك إذا ترتب عن الإجراء المتخذ من قبل السيد قاضي التحقيق خرق للمقتضيات الجوهرية للمسطرة، أدى إلى المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من أطراف الدعوى العمومية والمدنية التابعة على حد سواء.
فحالات البطلان القانوني يمكن تصورها في ثلاث أساسية وهي:
• الحالة الأولى: البطلان الناتج عن مخالفة مقتضيات المادتين 134 و135 من قانون المسطرة الجنائية.
• الحالة الثانية: مخالفة مقتضيات المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، المتعلقة بحضور المحامي إلى جلسة الاستماع للمتهم أو الطرف المدني أو عند مواجهتهما بحضور دفاعيهما إلا إذا تنازلا عن ذلك، أو لم يحضر المحامي رغم استدعائه بيومين كاملين على الأقل قبل عقد جلسة الاستنطاق أو المواجهة، أو لم يتم وضع ملف النازلة رهن إشارة الدفاع بيوم واحد على الأقل، قبل إجراء الاستنطاق أو المواجهة.
• الحالة الثالثة: مخالفة المقتضيات الواردة في المواد 59 و60 و62 و101 المنظمة للتفتيشات التي يأمر السيد قاضي التحقيق بإجرائها، خصوصا تلك المتعلقة باحترام الوقت القانوني للتفتيش، وإجراءات حجز أدلة الإقناع باختلافها…الخ.
وبخصوص البطلان القضائي المقرر في مواجهة إجراءات التحقيق المعيبة، فقد جاء في المادة 212 من قانون المسطرة الجنائية ما يلي: «يترتب كذلك البطلان عن خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة، إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف. يمكن لكل متهم أو طرف مدني أن يتنازل عن ادعاء البطلان المقرر لفائدته، ويجب أن يكون هذا التنازل صريحا. ولا يقبل تنازل المتهم إلا بحضور محاميه أو بعد استدعائه قانونيا. يعرض التنازل على الغرفة الجنحية وفقا للمادة السابقة».
فالبطلان القضائي الذي يمكن أن يلحق بعض من إجراءات التحقيق يتعلق بالأساس بالإجراءات الماسة بحقوق الدفاع لأطراف الدعوى العمومية والمدنية التابعة على حد سواء؛ وللإشارة فقد خول المشرع للمتهم أو الطرف المدني أن يتنازل عن ادعاء البطلان المقرر لفائدته، لكن تنازل هذين الأخيرين لا يقبل إلا بحضور محامييهما أو بعد استدعائهما قانونا، ويتعين أن يكون التنازل سواء كان من قبل المتهم أو الطرف المدني صريحا، ويعرض هذا التنازل على الغرفة الجنحية طبقا للإجراءات المحدد في المادة 211 من قانون المسطرة الجنائية.
الفقرة الثانية: الجهات المخول لها قانونا حق طلب بطلان إجراء من إجراءات التحقيق
استنادا إلى مقتضيات المادة 211 من قانون المسطرة الجنائية، نجد المشرع خول من خلالها لكل من جهاز النيابة العامة والمتهم والطرف المدني وحتى لقاضي التحقيق من تلقاء نفسه إمكانية الطعن ببطلان إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق التي سلف وأن بيناها أعلاه.
فإذا ما ظهر لوكيل الملك أو نوابه أو الوكيل العام أو نوابه أو المتهم أو للطرف المدني أن إجراء مشوبا بالبطلان قد اتخذه قاضي التحقيق، فلهم أن يطلبوا من هذا الأخير أن يحيل ملف الدعوى إلى النيابة العامة المختصة لتقوم بدورها بإحالته إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، التي يمارس فيها قاضي التحقيق اختصاصاته، رفقة الطلب الذي يبينون فيه أسباب البطلان، وذلك خلال الخمسة أيام الموالية من إثارته؛ حيث تقرر الغرفة الجنحية في الطلب المحال عليها ما إذا كان يجب أن يقتصر التصريح بالبطلان على الإجراء المقصود، أو يمتد كلا أو بعضا للإجراءات اللاحقة، أو حتى التصريح بعدم جدية الطلب وإرجاع الملف إلى قاضي التحقيق قصد إكمال باقي الإجراءات.