بشحال الحولي؟
مع اقتراب عيد الأضحى ينتابني شعور بالقلق، ليس كقلق من لا يتوفر على ثمن كبش سمين يُفرح به العائلة والأطفال ويتباهى به أمام الجيران.
في عيد الأضحى تصير بريجت باردو صديقتي. فعكس والدتي وجيراني، لا أحب هذا العيد وإن كنتُ أستطيب ولائمه. عندما توفي والدي كنتُ دائما أحاول إقناع والدتي بأن تقسم علينا أنا وإخوتي ثمن الكبش وتذهب عند جدتي وخالي لتشاركهما أجواء الاحتفال، وأكون جد سعيدة عندما تقبل أحيانا اقتراحي، وإن كنت أنتظر عودتها بفارغ الصبر في المساء، لنيل حصتي من الوليمةأأنأ أكنتأنظر عودتها بفارغ الصبر لتحضر لي كنت.
أتذكر العيد الذي ذهبت فيه أمي لأداء مناسك الحج، دعتني عمتي ومُرضعتي رفقة إخوتي لقضاء العيد مع عائلتها الصغيرة، قبل أخي البكر الدعوة فيما رفضتُ مرافقته، لم أشأ الذهاب عند أحد. أخي الذي يصغرني لا يُحب لحم الخروف، وكل طقوس وولائم العيد لا تعني له شيئا. لسبب غامض، لم أكتف مثله بطعام «الماكدونالدز»، أردتُ يومها أكثر من «سندويتش» وأكثر من دعوة. عمتي، التي اعتادت التضحية بكبشين سمينين من نوع «الصردي» وجدي لزوجها المريض بالسكري، عوض أن تدعوني للغداء، كنتُ أتمنى لو أهدتني خروفا جميلا.
في ذاك العيد، قضيت بداية اليوم وحيدة حزينة، كئيبة كيتيمة معدمة، أحسست وقتها بما يحسه الفقراء المعدمون ليلة العيد وعرفت ما معنى أن يحتفل الجميع من حولك بينما تكون عاجزا عن ذلك. لم يدُم حزني طويلا، ما إن سالت بعض الدمعات الساخنة على خدي حتى سمعتُ جرس الباب، مسحت دمعي واقتربت من الباب دون أن تكون لي نية فتحه. كان الوقت ظهرا، من الثقب تعرفت على الطارق ففتحت الباب بدون تردد: كانا ملكين بعثهما الله ليقولا: «لا تحزني».. وجدت ابن الخادمة، الطفل اليتيم، المهذب الجميل ذا السبع سنين، يحمل بيده اليمنى قفة وبالأخرى يمسك يد جارته التي تصغره سنا، بابتسامة عريضة جميلة قال وهو يمد لي «السخرة»: «مبروك العيد حنان، سيفطاتني عندك ماما». بتأثر عميق أخذت منه «الهدية»، شكرته ممتنة وأنا أطبع قبلة على خده وعلى خد رفيقته الكتكوتة.
في كل عيد يحرص أخي على اقتناء كبش جميل ويُصر على ذبحه بيده. أما أنا فقد أشارك أحيانا في مراقبة عملية الشواء، وتبقى مهمتي الأساسية هي تحضير الحلويات والشاي وغسل الأواني و«السخرة».. فالتفكير في عملية الذبح التي لم أحضرها يوما، ومنظر رؤوس الأكباش المقطوعة، والدم ورائحته التي تلتصق بأنفي.. كل هذا يضايقني ويثير اشمئزازي. لكن عندما تصلني رائحة الشواء الشهية يروق مزاجي وأصير فجأة مثل جميع المحتفلين، أنتظر وقت الغداء؛ أطل من الشرفة على الساحة الفسيحة فأرى السعادة تغمر المكان: الجارات المتأنقات النشطات ينظفن الأحشاء الساخنة بحماس استثنائي، الشابات أيضا منهمكات في تنظيف «الدوارة»، الشباب المراهقون اجتمعوا حول نار حامية لـ«تشويط» رؤوس أكباش الحي، العجائز ينتظرن تذوق أول قطعة كبد مشوي في انتظار أول «قطيب بولفاف».. الرجال منهم من يتكلف بذبح الأضحية وسلخها، ومنهم من يتكلف بالذبح فقط ويترك الباقي للجزار ومنهم من يظل في صالة بيته يشاهد التلفاز ويحتسي القهوة في انتظار مناداة زوجته عليه للالتحاق بالعائلة المجتمعة حول المائدة..
ويبقى عيد الأضحى أكثر تقديسا عند البسطاء والفقراء، إذ الغالبية منهم لا يأكلون لحم الخروف إلا في فترة العيد، حيث تصبح وجبة الفطور لحما، ووجبة الغداء لحما، وفي الاستراحة وفي العشاء لحم.. فلا عيدا سعيدا بدون كبش.