برنامج انتخابي مقترح لظريف
أرنست خوري
مقابلة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، جديرة بالقراءة، أيا كانت أهداف التسريب الصوتي لها ومصدره ونتائجه. المسؤولون الأمريكيون المصرون على إحياء الاتفاق النووي أو إبرام اتفاق جديد مع طهران لا يقيد أدوات تصدير التخريب في المنطقة العربية، سيكونون معنيين بالتعليق على الحوار أو على الأقل باستخلاص دروسه بصمت. خصوم طهران، بعد قراءتهم حديث الوزير، يمكنهم الاستناد إليه في مقالات ودراسات وتصريحات الإدانة لسياسة هذا البلد وللدمار والإفقار والتخلف الذي ينشره حكامه. أما جمهور الممانعة، فلن يجد على الأغلب أسبابا كثيرة للغضب من الدكتور ظريف، فالانتقاد الناعم لقاسم سليماني وللمستوى الحربي في بلده، سرعان ما ينهيه الرجل برضوخه لمعادلة «الحرب الدائمة» التي تحكم إيران منذ ثورة الخميني، حين بدأ «زمن الذبح» بتعبير إلياس مرقص، كما ينقل عنه الراحل ميشيل كيلو في أحد حواراته التلفزيونية.
يقدم ظريف في حوار الساعات السبع تعريفا للسياسة وفق المفهوم الذي تصدره الثورة من ضمن عدتها الإيديولوجية المستعارة من القرون الوسطى: الحرب هي غاية الدبلوماسية والسياسة، لا وسيلة لتحقيق غرض سياسي مثلما رأى منظر الحروب كارل فون كلاوسفيتز في القرن الثامن عشر. السياسي يأتمر من الضابط لا العكس. يخبر ظريف في حواره السري غير المعد للنشر كيف أنه عمل منذ تعيينه في منصبه عام 2013، تحت إشراف المستوى الحربي. مصطلح الحرب لا يستخدمه الرجل، بل يستعير تعبير «الميدان» أو «ساحة المعركة» للإشارة إليه. و«الميدان»، بحسب ظريف، كانت «له الكلمة الأولى في السياسة الخارجية». المستوى الحربي في هرم الحكم الإيراني يملي على الدبلوماسية أولوياتها وأدوات شغلها وحركتها ومفاوضاتها ومواقفها وما نطلبه (من سيرغي لافروف مثلا) وما لا نطلبه. يمكن لوزير خارجية أن يطلب أمرا سياسيا من المستوى الحربي، لكنه يبقى مجرد طلب. كان ظريف يطلب مثلا من قاسم سليماني ألا يستخدم طائرات «إيران إير» (الطيران الحكومي) للرحلات بين إيران وسوريا، «لكن سليماني لم يكن يقبل». ربما تكون تلك الخلاصة هي الأكثر تعبيرا عن ديناميات عمل النظام الإيراني، وكيف تتوزع مراكز القوى فيه، بعيدا عن ثرثرات «الديمقراطية الإيرانية الفريدة من نوعها» فرادة دموية «الديمقراطيات الشعبية». في إيران إذاً، للمستوى السياسي الدبلوماسي، من حكومة ووزير خارجية ومفاوضين وسفراء وحتى رئيس جمهورية، سلطة توزيع الابتسامات وإجادة لغات أجنبية واستقبال الزوار الأجانب وقدرة تحمل مشقات السفر والظهور الإعلامي المكثف، فيما للمستوى العسكري، ممثلا بالحرس الثوري، سلطة الـ«نعم» والـ«كلا»، يتم إبلاغهما لوزير الخارجية في اجتماع أسبوعي مثلما يخبر ظريف إياه في صيغ متعددة: «أقول بجرأة إنني أنفقت الدبلوماسية لأجل الميدان (ساحة المعركة) أكثر من أن يضحي الميدان للدبلوماسية (…). في كل مرة كنت أذهب إلى التفاوض، كان الشهيد سليماني هو الذي يقول خذ هذه النقاط في الاعتبار (…). الكثير من التكاليف الدبلوماسية التي تحملناها، كانت بسبب أن الميدان كانت له الأولوية بالنسبة إلى النظام، وإلى هذا الحد تمت التضحية بالدبلوماسية لأجل الميدان، وهذه هي نتيجة أن يكون القرار بيد الميدان».
اليوم، سيكون فصل مضمون حوار ظريف عن المفاوضات الجارية حاليا في فيينا تغريدا خارج أنغام السياسة. الروس وضعوا ثقلهم لإفشال التوصل إلى اتفاق 2015 النووي، يقول ظريف. لسيئي الظن أن يضعوا تتمة العبارة على لسانه: يمكن لنا، نحن الإيرانيين، أن نتعاون معكم يا أمريكان، لتسجيل هدف جديد في المرمى الروسي الذي تشتهونه أكثر مما ترغبون في إضعاف نظامنا.
في حال صحت التخمينات حول نية محمد جواد ظريف الترشح لانتخابات الرئاسة في يونيو المقبل، فإن المقابلة تصلح لأن تكون برنامجا انتخابيا موجها للداخل وللخارج: أعرف الخطوط الحمراء لحركة المستوى السياسي، ولن أسعى إلى المشاغبة كرئيس. فلنواصل الثرثرة وتوزيع الابتسامات في الدبلوماسية، ولنترك خلفاء قاسم سليماني يوسعون حروبهم.
المستوى الحربي في هرم الحكم الإيراني يملي على الدبلوماسية أولوياتها وأدوات شغلها وحركتها ومفاوضاتها ومواقفها وما نطلبه (من سيرغي لافروف مثلا) وما لا نطلبه. يمكن لوزير خارجية أن يطلب أمرا سياسيا من المستوى الحربي، لكنه يبقى مجرد طلب