شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

برميل بارود اجتماعي

 

ياسر عبد العزيز

العنوان أعلاه ليس لي، لكنه تعبير استخدمه قائد سياسي في معرض التحذير من إمكانية أن تتحول الضغوط الاقتصادية وأعباء ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار إلى قنبلة موقوتة، يمكن أن تفجر احتجاجات شعبية تزعزع الاستقرار وتربك عمل المؤسسات.

وهذا القائد السياسي، الذي تعاني بلاده من ضغوط تضخمية كبيرة وارتفاعات مطردة في أسعار السلع والخدمات الحيوية لا ينتمي إلى منطقة الشرق الأوسط أو قارة إفريقيا، وإنما يقود دولة من أغنى الدول وأعظمها في قلب القارة الأوروبية.

إنه المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي يحكم بلدا يتمتع بأقوى البنى الاقتصادية، ويوفر حزما من التقديمات الاجتماعية، التي تضمن قدرا كبيرا من الرفاه والازدهار لمواطنيه، ومع ذلك فإن الأضرار التي سببتها جائحة كورونا على صعُد الصناعة والإمداد والتوريد، وما تلاها من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضها الغرب على موسكو، والقيود التي وضعتها تلك الأخيرة على بعض صادراتها من الحبوب الغذائية ومنتجات الطاقة، أدت كلها إلى تعظيم الضغوط على عديد الاقتصادات القوية في أوروبا.

لقد قفز معدل التضخم في القارة الأوروبية إلى مستويات شديدة الارتفاع، إذ تعدى الـ8 في المائة، متجاوزا التوقعات السابقة، وفي الولايات المتحدة بلغ معدل التضخم نحو 8.6 في المائة في أعلى مستوى يبلغه في أربعة عقود.

وبسبب الارتفاع المطرد في معدلات التضخم، وحرصا على كبحه وتهدئة الأسواق، راحت البنوك الغربية ترفع أسعار الفائدة، لترتفع معها التحذيرات من احتمالات حدوث ركود تضخمي يأخذ الأوضاع إلى مستويات أكثر خطورة، خصوصا على الفئات الأضعف والأقل دخلا في تلك المجتمعات المتقدمة والغنية.

ورغم أن شولتس عاد وخفف من حجم تخوفه من وقوع انفجارات اجتماعية، فإنه ما زال يعتقد أن الاستمرار في صعود أسعار الطاقة وندرة المتوافر من إمداداتها، جراء الحرب والعقوبات، يمكن أن يصيب المواطنين الألمان بصدمات، عندما يتلقون فواتير طاقة بأرقام عالية في الخريف المقبل.

 

بسبب هذه الزيادات المتسارعة في الأسعار، وندرة بعض السلع الحيوية، يتوقع خبراء أن تتفاقم الاحتجاجات والقلاقل المجتمعية في العديد من الدول الغربية.

ولمواجهة ذلك فإن الحكومات الغربية بدأت في إجراءات للتقشف وتقليص استخدامات الطاقة، سواء في المرافق الحكومية، أو من خلال مناشدة المواطنين تقليل استهلاكهم للكهرباء، تجنبا لتفاقم أزمات الإمداد.

ورغم الرسائل السياسية والإعلامية التي حرصت الدول الغربية على توجيهها لمواطنيها، لتبصيرهم بتداعيات أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي أتت في أعقاب تكاليف جائحة كورونا القاسية، فإن الاضطرابات وقعت والتظاهرات اندلعت في عديد البلدان الأوروبية في الشهرين الفائتين.

واندلعت الاحتجاجات في فرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، واليونان وغيرها من البلدان الأوروبية، في وقت دعت فيه بعض التنظيمات النقابية إلى الإضراب عن العمل في إطار الضغط على السلطات لرفع الأجور، بما يسهم في مواجهة أعباء الغلاء المتصاعد.

وفى ألمانيا، التي تواجه ضغوطا كبيرة، بسبب «حرب العقوبات»، والقيود على التصدير بين روسيا والدول الغربية، يقع عبء كبير على السلطات لموازنة الأسعار وتوفير الاحتياجات الحيوية، حرصا على صيانة الاستقرار وتحقيق الضبط الاجتماعي، في مواجهة دعوات لتأجيج الاحتجاجات.

ويخشى سياسيون ألمان، وباحثون في مراكز التفكير المعنية بتحليل السياسات، من أن تتفاقم تلك الاضطرابات في الفترة المقبلة في ضوء تقلص الحلول المتاحة، وعدم وجود إشارات إلى إمكانية الوصول إلى حل سياسي قريب للأزمة الروسية مع الغرب.

ويعتقد هؤلاء أن اندلاع اضطرابات وأعمال عنف أمر مُحتمل، لكن مخاوفهم الكبيرة تركز على الاستفادة التي يمكن أن تحققها الأحزاب الشعبوية والمتطرفون- مثل حزب البديل من أجل ألمانيا- بسبب تلك الأزمة، خصوصا أن الشعبويين عادة ما يؤججون الاحتجاجات من جهة، ويعدون الجمهور بحل سريع وناجع لكل المشكلات، في حال وصولهم إلى السلطة من جهة أخرى.

وعندما يقع الجمهور تحت ضغوط الاحتياجات المالية المتصاعدة، ويعاني من قسوة غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم، فإنه يصبح أكثر قابلية للانتفاض وأعمال العنف المجتمعي، وأكثر مطاوعة لحجج المتطرفين والشعبويين.

إن عدم وجود حلول لأزمة التضخم، ونقص الإمدادات الحيوية العالمية، لا يعد فقط بمزيد من الضغوط على الحكومات، وتفاقم أعمال الاحتجاج والاضطرابات، لكنه ينذر أيضا باحتمالات تغير خرائط التأثير السياسي في المجتمعات، التي سبق أن أظهر بعضها ميلا مثيرا للتصويت لبعض النزعات اليمينية والشعبوية في الانتخابات العامة.

وإذا كانت هذه المخاوف تثور في دول أوروبا المستقرة والمزدهرة والمستندة إلى بنى اقتصادية وسياسية متينة، فإن الأوضاع في الدول الفقيرة والأقل نموا يمكن أن تتجه إلى الأسوأ.

وللأسف الشديد، فإن مناعة الدول النامية وإمكانياتها الاقتصادية أكثر هشاشة، وأقل قدرة على مقاومة هذه الصدمات الحادة، كما أن قابلية جمهورها للتأثر بدعاوى الانتفاض والامتثال للخطاب الشعبوي أكبر.

ولكى تتجاوز شعوب الدول النامية والفقيرة، خصوصا في منطقتنا، هذا الطوفان الكاسح من التضخم والركود ونقص الإمدادات، يجب أن تتضافر جهود الحكومات مع المجتمع المدني والنخب المؤثرة لشرح الأوضاع، وتقديم المثل في التقشف، والإدارة الرشيدة للموارد، وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية، واحتواء الخطابات التحريضية، وفضح مآرب التيارات الشعبوية الرامية إلى استغلال الأزمة سياسيا.

تلك أيام صعبة على الدول الغنية ومواطنيها، لكنها أصعب على الدول النامية ومواطنيها وأشد خطورة، والأمل أن يخرج العالم من هذه الأزمة بأقل الخسائر وأهون التكاليف.

نافذة:

عندما يقع الجمهور تحت ضغوط الاحتياجات المالية المتصاعدة ويعاني من قسوة غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم فإنه يصبح أكثر قابلية للانتفاض وأعمال العنف المجتمعي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى