محمد اليوبي
للمرة الرابعة، قررت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، تأجيل موعد وضع التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي المعروض على اللجنة منذ أربع سنوات، وحسم المصادقة عليه، وذلك بعد اعتراض بعض الفرق البرلمانية على تجريم «الإثراء غير المشروع» في القانون الجديد.
وأكد المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، في كلمته بالندوة الوطنية حول موضوع «تنزيل مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مشروعي القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية»، الذي نظمته يوم الجمعة الماضي، هيئة المحامين بسطات، أن مشروع القانون الجنائي شبه جاهز وهو في مرحلة وضع التعديلات، مشيرا إلى وجود عراقيل تتعلق بالتأجيلات المتكررة، مضيفا أن تأجيل مناقشة مشروع القانون الجنائي للمرة الرابعة يطرح أكثر من علامة استفهام. وأوضح الرميد أن مشروع القانون الجنائي خُصصت له جلستان في المجلس الحكومي، مبرزا أن الموضوع الذي حظي بمناقشة واسعة هو موضوع الإثراء غير المشروع، وأضاف «أظن أن هذا الموضوع هو الذي يعتبر الموضوع الأساسي الذي أدى إلى ما وصل إليه الأمر»، وأضاف «لما كنت وزيرا للعدل تمت إحالة مشروع القانون الجنائي على مجلس النواب وانتهينا من المناقشة ولم نجد أية صعوبة في المناقشة لكن لما أفضينا إلى مرحلة إيداع التعديلات كانت العرقلة الممنهجة»، دون تحديد أي جهة بالاسم.
وبرزت خلافات قوية داخل اللجنة بخصوص المواد المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، حيث عبر فريق الأصالة والمعاصرة عن موقف حزبه الرافض للصيغة الواردة في مشروع القانون، وقال عضو الفريق، عبد اللطيف وهبي، أثناء المناقشة العامة للقانون «إن أكبر إهانة هي أن النص يريد محاربة الإثراء غير المشروع بهذا الشكل»، وأضاف «نحن نرفض هذا المنطق، الذي يُحيل على أشخاص نزهاء يحاربون الفساد وآخرين يدافعون عنه»، وطالب وهبي بحذف المواد المتعلقة بالإثراء غير المشروع من القانون، وترك هذا الأمر إلى المجلس الأعلى للحسابات، باعتباره المؤسسة الدستورية التي تتلقى التصريح بالممتلكات بالنسبة لكبار الموظفين وكذلك المسؤولين الذين يدبرون المال العام، وهي الجهة المخولة لها إحالة الملفات على النيابة العامة، في حالة وجود متابعة تتعلق بالتصرف في الأموال العمومية.
وكان موضوع تجريم الإثراء غير المشروع، قد أثار ضجة خلال الولاية الحكومية السابقة، أثناء عرض مشروع القانون الجنائي في اجتماع المجلس الحكومي من طرف وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، حيث تراجع عن ما تضمنه القانون من عقوبات حول محاربة الفساد الإداري ومنها تجريم الإثراء غير المشروع بالنسبة للموظفين، وتم تعديل المادة التي كانت في النسخة الأولى للمشروع، تنص على أنه يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين وغرامة مالية من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم، كل موظف عمومي، ثبت بعد توليه للوظيفة، أن ذمته المالية عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويمكن في حالة الحكم بالإدانة، الحكم بمصادرة الممتلكات طبقا لمقتضيات الفصل 42 من القانون الجنائي، لكن الرميد استسلم للضغوطات وحذف العقوبات الحبسية من هذه المادة واكتفى بالغرامة، بالإضافة إلى تقليص فئة المعنيين بهذا القانون في فئة الموظفين الخاضعين للتصريح الإجباري بالممتلكات.
وتنص الصيغة الحالية المعروضة على أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من نفس القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية».
وخلال مناقشة مسودة تعديل القانون الجنائي، أثار «غموض» مادة تجريم الإثراء غير المشروع في مسودة القانون الجنائي، الكثير من التخوفات في أوساط مؤسسات دستورية، ومنها الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، التي اقترحت إحداث هيئة قضائية مستقلة تتصف بالحياد توكل لها مهمة التحقيق في جرائم الإثراء غير المشروع، وسط تخوفات مما قد يشكله هذا التنصيص من مس بالمبادئ الأساسية التي يتضمنها القانون الجنائي والدستور المغربي خاصة في ما يتعلق باحترام قرينة البراءة وشرعية التجريم والعقاب، بالإضافة إلى تخوفات من توظيفها سياسيا للإيقاع بالخصوم، ويتحول تجريم الإثراء غير المشروع إلى محاربة الخصوم السياسيين.