على الرغم من الأصوات التي ظلت تنادي باحترام الأحزاب السياسية لمعايير الكفاءة والنزاهة والشفافية، في اختيار الشخصيات السياسية التي تتم تزكيتها لخوض الانتخابات، ومسايرة التوجهات الملكية السامية لتسريع الإصلاح والتنمية، بتفعيل دور المؤسسات الدستورية، إلا أن هاجس الأرقام الانتخابية كان هو المعيار الوحيد الذي خيم على اجتماعات العديد من الأحزاب السياسية للحسم في ملفات التزكية بالشمال، دون اعتبار لمتابعات قضائية، وملفات بالمحاكم تنتظر من فازوا بمناصب رؤساء جماعات وبرلمانيين ومستشارين بالجماعات الترابية المعنية.
تطوان: حسن الخضراوي
مع بداية تسلم تسيير الشأن العام المحلي بجماعات ترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، ظهرت ملفات قضائية مسجلة ضد رؤساء جماعات وبرلمانيين ومستشارين جماعيين على السطح، حيث تم منع مراد امنيول، رئيس الجماعة الحضرية لمارتيل عن حزب الحركة الشعبية من مغادرة التراب الوطني، بقرار من قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بتطوان، فضلا عن اعتقال نبيل الكوهن، مستشار جماعي عن حزب الأصالة والمعاصرة بتطوان، احتياطيا في ملف تزوير تنازلات بمبالغ مالية ضخمة، ونفض الغبار عن ملفات قضائية مسجلة بالمحكمة الإدارية بالعاصمة الرباط، ضد العربي احنين، برلماني حزب الأصالة والمعاصرة بتطوان، وإبراهيم بنصبيح رئيس المجلس الإقليمي بتطوان عن الحزب نفسه.
العديد من رؤساء الجماعات الترابية والبرلمانيين بالشمال أصبحت أعينهم على المحكمة الإدارية بالرباط، بعد صدور عشرات الأحكام الابتدائية بإسقاط قرارات انفرادية قاموا بتوقيعها في مجال التعمير وتسوية الوضعية، ومخالفة القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113/14، حيث قامت لجان التفتيش التابعة لمصالح وزارة الداخلية بكشف ملفات خروقات وتجاوزات بالجملة، كتتويج للعمل الذي قامت به السلطات المحلية المكلفة بالمراقبة وتتبع تسيير الشأن العام المحلي.
ومع شبح العزل من المنصب الذي يحلق فوق رؤساء جماعات وبرلمانيين ومستشارين بالشمال، أصبحت جل الأحزاب السياسية المعنية تعيش على وقع الارتباك، ومحاولة الدفع بكل الطرق الممكنة للتأجيلات للحفاظ على غنيمة المناصب التي أفرزتها الانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية، واستمرار نفس الخريطة السياسية، علما أن ذلك يعتبر من المستحيلات في ظل شبح العزل الذي يتهدد شخصيات سياسية وازنة ارتكبت خروقات وتجاوزات خطيرة.
حصاد «البيجيدي»
انتهى حصاد تسيير حزب العدالة والتنمية لجماعات ترابية بالشمال مثل تطوان والفنيدق، بمتابعات قضائية ثقيلة في حق أعضاء وقياديين في الحزب كانوا يتحملون مسؤوليات في تسيير الشأن العام، منهم من يتابع بالتزوير والتشهير والسب والقذف، وآخرون يتابعون بتهم التحريض على الاحتجاج غير المرخص والتجمهر غير المسلح، فضلا عن تدقيق النيابة العامة المختصة بابتدائية تطوان، في شكايات تزوير وثائق والفصل إداريا في قضايا معروضة أمام القضاء.
وحسب مصادر فإن المستشارين السابقين في حزب العدالة والتنمية العلمي المقريني وعثمان الحقيوي، يتابعان في ملف بالمحكمة الابتدائية رقم 2021/2102/1081، يتعلق بتحريضهما رفقة متهمين آخرين على الاحتجاج غير المرخص والتجمهر غير المسلح بدون رخصة، وذلك في موضوع فشل مهام تتحمل مسؤوليتها الجماعة الترابية، لكن كان يتم توجيه المحتجين الغاضبين للاحتجاج على مصالح وزارة الداخلية، قصد تحقيق أجندات خاصة.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن محمد قروق البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية بإقليم المضيق، والمستشار الجماعي الحالي بالجماعة الحضرية للفنيدق، مازال ينتظر مآل التحقيقات وإجراءات الاستماع الذي خضع له رفقة نائب بالجماعة، من قبل الضابطة القضائية المكلفة بالتحقيق والبحث في محضر رقم 2021/3201/9452، وذلك في موضوع شبهات التزوير في ملف وثائق إدارية تتعلق بمحلات تجارية بسوق المسيرة الخضراء، فضلا عن التدقيق في وثيقة من توقيع القيادي المذكور يشتبه في حسمها لملف قضائي ونزاع استمر بين الأطراف لسنوات.
وأضافت المصادر ذاتها أن ملف رقم 2020/2101/10433 المتعلق باتهام محمد إدعمار الذي كان يشغل منصب رئيس الجماعة الحضرية لتطوان، بالتزوير بالمنطقة الصناعية طريق مارتيل، يقترب من الحسم وإصدار الأحكام المناسبة من قبل هيئة المحكمة الابتدائية، طبقا للقانون الجنائي المغربي، حيث سبق الاستماع لمصرحين من رؤساء أقسام وغيرهم، للتأكد من تنبيه الرئاسة لعواقب اتخاذ قرارات انفرادية دون العودة إلى رأي اللجنة الإقليمية التي يرأسها محمد مهيدية والي جهة طنجة – تطوان – الحسيمة.
وقررت النيابة العامة المختصة بابتدائية تطوان، متابعة مستشار جماعي سابق عن حزب العدالة والتنمية، في شكاية رقم 2021/3101/6707، بتهم التشهير والسب والقذف، ومهاجمة أعمال صحفية مهنية بنعوت قدحية، حيث سبق الاستماع للمتهم من قبل الفرقة الولائية للشرطة القضائية بمقر ولاية الأمن، وثبت من خلال البحث في هاتفته الشخصي، أنه يحتفظ بالتدوينات المسيئة والمتعلقة بالسب والقذف، مع تشبثه بمضمونها بشكل غريب.
شبح العزل
يخيم شبح العزل فوق رؤوس العديد من البرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، لارتكاب المعنيين خروقات وتجاوزات في قوانين التعمير، ومنح تراخيص بناء انفرادية تتعارض وتصاميم التهيئة المصادق عليها من قبل الجهات الحكومية المختصة، فضلا عن خروقات القانون التنظيمي للجماعات الترابية 113/14، ومبادرة مصالح وزارة الداخلية لمقاضاة المعنيين في عشرات الملفات بالمحاكم الإدارية.
وحركت تعليمات عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية، عشرات الملفات القضائية التي تم تسجيلها من قبل عامل إقليم تطوان، ضد العربي احنين رئيس جماعة أزلا السابق، الذي يشغل حاليا برلماني الإقليم عن حزب الأصالة والمعاصرة، وضد إبراهيم بنصبيح رئيس جماعة زاوية سيدي قاسم (أمسا) السابق، الذي يشغل حاليا رئيس المجلس الإقليمي بتطوان تحت رمز «الجرار» أيضا، ناهيك عن ملفات أخرى مسجلة ضد الرئيس السابق لجماعة بني سعيد بواد لو.
ومن ضمن عشرات الملفات المسجلة من قبل مصالح وزارة الداخلية ضد رؤساء جماعات بتطوان، ملف رقم 2019/7110/656 و 2020/7110/17..، حيث قضت المحكمة الإدارية الابتدائية فيه بإسقاط القرارات الانفرادية مع ترتيب الآثار القانونية، وهي القرارات المرتبطة بتوقيع رخص بناء تخالف تصاميم التهيئة المعمول بها، وسلمت دون استشارة أقسام التعمير بالعمالة والوكالة الحضرية، ما ساهم في انتشار عشوائية التعمير وظهور مشاكل وصراعات، واستغلال الظرفية من قبل مستثمرين في العقار قاموا بتشييد مشاريع بواسطة رخص بناء انفرادية، مع الحصول على تسليم السكنى وضياع مداخيل مهمة على ميزانية الجماعات الترابية المعنية.
وكشف مصدر الجريدة أن المصالح المسؤولة بوزارة الداخلية، تتعقب الملفات القضائية التي سجلت ضد رؤساء جماعات بتطوان، وذلك للبحث في إجراءات تبليغ الأحكام القضائية الابتدائية وتتبع مراحل الاستئناف، سيما في ظل فشل الرؤساء المعنيين في تبرير الخروقات التي ارتكبوها في تسيير الشأن العام بواسطة القانون، ما يهددهم بالعزل من المنصب السياسي مع ترتيب الآثار القانونية.
قضايا تزوير
قضت محكمة الاستئناف بتطوان، قبل أيام قليلة، في ملف رقم 2018/2610/798، بإدانة مستشار بجماعة مارتيل ورئيس جماعة سابق بسنة حبسا نافذة وغرامة مالية، وذلك في موضوع شبكة للنصب والاحتيال في قضايا عقارية، وبيع شقق سكنية أكثر من مرة لزبناء مختلفين، حيث تمت إدانة موثق مشهور في الملف إلى جانب عدول وغيرهم من المتورطين.
وذكرت مصادر مطلعة أن قاضي التحقيق لدى المحكمة الاستئنافية بتطوان، قرر منع مراد امنيول رئيس الجماعة الحضرية لمرتيل من مغادرة التراب الوطني، والبحث عن تورطه في شبكة لتزوير أختام الدولة والتزوير، وهي القضية التي تتعلق بتزوير تنازلات بالملايير، حيث يوجد المستشار الجماعي المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي، كما فتحت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بحثا مع موظفة بجماعة مارتيل ضبطت وهي تسرق ملفات من الأرشيف، يشتبه في علاقتها بنفس القضية المذكورة.
واستنادا إلى المصادر نفسها فإن الملفات القضائية التي يتابع فيها المستشارون ورؤساء جماعات تعاقبوا على تسيير الشأن العام بمارتيل، تتهدد المعنيين بالسجن والإدانة، وهو الشيء الذي يمكن أن يغير الخريطة السياسية من حيث تحمل المسؤوليات على رأس مؤسسات منتخبة، فضلا عن الحرج الذي تعيشه الأحزاب السياسية التي قامت بتزكية المعنيين.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن التحقيقات الجارية بأرشيف الجماعة الحضرية لمارتيل، والبحث القضائي الذي أمر به الوكيل العام بتطوان في عدم اتمام هبة 18 شقة سكنية لصالح الجماعة، وقضايا تزوير في الأختام، يمكن أن تكشف عن تفاصيل مثيرة خلال الأيام المقبلة، كما أن إدانة بعض السياسيين ابتدائيا، والنظر في ملفات أخرى أربك حسابات الجميع، وأصبحت كل الأنظار تتجه إلى جلسات التحقيق التي باشرها قاضي التحقيق باستئنافية تطوان.
جدل التزكيات
على الرغم من الانتقادات التي وجهت لحزب الأصالة والمعاصرة بالشمال، لاستقطابه وجوها سياسية تنتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية وتمت مقاضاتها من قبل وزارة الداخلية بسبب خروقات وتجاوزات في التسيير، إلا أن قيادة «الجرار» اختارت تزكية العربي احنين رئيس جماعة أزلا السابق، الذي فاز بمقعد خلال الانتخابات البرلمانية تحت رمز «الجرار» بإقليم تطوان، رغم مقاضاته من قبل الداخلية بسبب خروقات التسيير، وصدور عشرات الأحكام القضائية ضده.
وقام «البام» أيضا، باستقطاب رئيس جماعة زاوية سيدي قاسم سابقا، الذي يشغل منصب رئيس المجلس الإقليمي بتطوان، رغم مقاضاته كذلك من قبل السلطات الإقليمية، بسبب قرارات انفرادية وخروقات التسيير، ومنح وتوقيع رخص بناء دون تنسيق واستشارة مع مصالح الوكالة الحضرية.
وتسابقت العديد من الأحزاب السياسية على الأرقام الانتخابية بالشمال، دون اعتبار لمعايير الكفاءة والنزاهة، حيث تبقى الأحكام الابتدائية الصادرة عن المحاكم الإدارية بإسقاط القرارات الانفرادية، تهدد المعنيين بالعزل من المنصب السياسي، في حال قامت مصالح وزارة الداخلية برفع دعوى قضائية للعزل بعد المرحلة الاستئنافية.
وانتهت وعود الأمناء العامين للأحزاب بالمساهمة في تخليق الحياة السياسية، ورفعهم شعارات الكفاءة والتغيير لخدمة التنمية، بتشجيع الترحال السياسي بتطوان والمدن المجاورة، واستقطاب وجوه سياسية تمت مقاضاتها من قبل مصالح وزارة الداخلية أو لها ملفات تحقيق وشكايات أمام النيابة العامة المختصة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بسبب خروقات في التسيير وشبهات التزوير، فضلا عن تسابق الأحزاب على الأعيان للفوز بأرقام انتخابية عوض البحث عن الكفاءات والطاقات التي يمكنها أن تشكل قيمة مضافة في تسيير الشأن العام.
ووجهت انتقادات لاذعة للأحزاب التي قامت بتزكية وجوه سياسية بالشمال، مهددة بالعزل من المنصب السياسي، بسبب خروقات في التسيير وتجاوزات في قانون التعمير، رصدتها لجان التفتيش التابعة لمصالح وزارة الداخلية، ناهيك عن مؤشرات الفشل في التنمية خلال تولي المسؤولية على رأس مؤسسات منتخبة لسنوات، وغياب التكوين السياسي والأكاديمي، وجدل انتشار العشوائية في التعمير والفوضى، والفشل الذريع في تجهيز البنيات التحتية وجمود الميزانيات، والقيام بتدابير ترقيعية لضمان استمرار عمل أقسام وتفادي ارتباك السير العادي للمرفق العام.
نافذة
العديد من رؤساء الجماعات والبرلمانيين بالشمال أصبحت أعينهم على المحكمة الإدارية بالرباط بعد صدور عشرات الأحكام الابتدائية بإسقاط قرارات انفرادية قاموا بتوقيعها.