بداية مشجعة.. ولكن
لا شك أنها بداية مشجعة ومبشرة رافقت القرارات الأولى لدخول نظام التأمين الصحي حيز التنفيذ، بعد نقل 11 مليونا من نظام «راميد» إلى نظام التغطية الصحية الإجبارية، حيث استفاد مواطن مغربي من عملية جراحية على القلب، في مصحة خاصة بمدينة الدار البيضاء، بكلفة 13 مليون سنتيم، تحملها صندوق الضمان الاجتماعي CNSS، كما أن المستشفى الجامعي الشيخ خليفة بالدار البيضاء قرر علاج الحاملين لبطاقة «راميد» سابقا. في الحقيقة لا يمكن تجاهل هذه الإشارات التي صدرت في الساعات الأولى لدخول القانون حيز النفاذ، وهو ما يعبر عن وجود رغبة تغيير إيجابي في وتيرة الإصلاح الصحي، لكن المهم هو الاستمرارية والانتظام وتوفير الإمكانيات اللازمة، وأهم من ذلك أن يشعر المواطن بحدوث التغيير في محيطه القريب.
فواحدة من أكبر التركات الثقيلة، التي توارثتها الحكومات المتعاقبة، أنها ما كانت جدية في إصلاح منظومة الصحة، وحتى لو لجأت إلى سيمفونية إصلاح القطاع الصحي، فمن باب الشعارات الانتخابية والسياسية لا أقل ولا أكثر.. مما أورثنا الفشل تلو الفشل، منذ فجر الاستقلال وحتى يومنا هذا. فالجميع يعلم أن المستشفيات في بلدنا، بصيغها الحالية، ليست قادرة على مسايرة السرعة التي يسير بها نظام التأمين الصحي، وهي نفسها شهادة على تعثر السياسة العمومية الصحية. وأكثر المستشفيات لا تتوفر على الإمكانيات التي تستطيع عن طريقها عبور بوابة الحماية الاجتماعية، لأسباب يعلمها البادي والعادي.
لكن علينا أن نتذكر دوما أن إصلاح نظام التأمين الصحي لا يمثل إلا جزءا يسيرا من عملية إصلاحية شاملة وأكبر، يجب أن تطول منظومة الحماية الاجتماعية، كما وضع أسسها الملك محمد السادس. ومن الصعب تخيل حدوث الإصلاح للمنظومة الاجتماعية في بقعة منعزلة، في حين يتواصل الإقصاء والتهميش في المجال الصحي. لذلك يمكن القول إن نجاح الإصلاح في التغطية الصحية قد يكون إحدى البدايات المشجعة التي تمنح شرعية مباشرة، أو غير مباشرة لعملية الإصلاح الاجتماعي الشامل التي طال انتظارها لعقود.
الخلاصة أن منظومتنا الصحية تعاني أساسا من معضلات مركبة، أثرت بشكل ملموس على مستوى الخدمات العمومية والقدرة المعيشية للمريض. لذلك فقد آن الأوان، بل نعتقد أننا تأخرنا كثيرا، باعتماد منظومة حمائية جديدة عابرة لرهانات الحكومات والمكاسب الانتخابية. واليوم لدينا ضمانة ملكية صارمة ونتوفر على نصوص قانونية مشجعة، لكن كل ذلك يحتاج إلى صهره في بوتقة واحدة تنتج نظاما حمائيا منصفا وعادلا، ويحتاج إلى الأفعال الملموسة وليس إلى الأقوال والنوايا الحسنة.