بدأ مدرسا للمسرح بالمغرب وتحول إلى مخرج ومنتج بالتلفزيون الفرنسي
حسن البصري
في مدينة ديبي الفرنسية يوجد زقاق يحمل اسم أندري فوازان، كما يوجد مسرح باسمه في العاصمة المالية باماكو، التي اشتغل فيها فترة قصيرة كمؤسس للتلفزيون المالي، فيما عاش طويلا في المغرب دون أن يكرم بوضع اسمه على مجمع ثقافي أو خشبة مسرح حتى، رغم أنه يعد المؤسس الحقيقي للمسرح الاحترافي في المغرب.
ولد أندري في 18 يونيو 1923 بمدينة فريسناي سيرسارت، كان والده يشتغل في مطبعة، أبان منذ طفولته عن مواهب في التمثيل، قبل أن يهاجر إلى المغرب وهو في ريعان شبابه.
حسب بحث قام به حسن المنيعي، فإن المسرح هو فن مستورد لم يظهر في المغرب إلا بمجيء الحماية الفرنسية، وكان «أول مخطط لتطوير المسرح بالمغرب من إعداد مديرية الشبيبة بهدف توجيه اهتمامهم إلى قضايا مغايرة تتماشى مع رؤية فرنسا للممارسة المسرحية»، بل إن أرمون جوليان، مدير مسرح الأمم بباريس، هو من اقترح على الإقامة العامة الفرنسية اسم أندري لتطوير النشاط الموازي في المغرب، خاصة في ظل نشأة النواة الأولى لشبيبة كشفية مناهضة للفرنسيين.
اهتمت إدارة الشباب التابعة للإقامة الفرنسية، أولا، باليافعين في وضعية صعبة، قبل أن تلتفت للجانب الوقائي أي بخلق أنشطة تملأ الفراغ، «وكان علينا انتظار بداية الخمسينات ليسطع نجم الخبير الفرنسي أندري فوازان الذي يعتبر أول من وضع تصورا كاملا لنظام التكوين المسرحي، الذي كان يخضع له الممثلون في غابة المعمورة. ومنه برزت شخصية مولاي الطيب بن زيدان بمساعدة الطاهر واعزيز الذي أشرف على أول دورة تكوينية في التقنيات المسرحية»، كما يقول المنيعي.
حرص أندري فوازان وشارل نوك، وهما من بين مؤسسي فرقة المعمورة للمسرح، على تنظيم ورشات للمسرحيين والتقنيين، كما اشتغلا على النصوص المقتبسة من روائع الأدب العالمي، وكانا سباقين إلى خلق خلية للكتابة المسرحية كانت توقع مسرحياتها باسم «عطاء وكيل»، وهو ما أشار إليه المسرحي ادريس التادلي في إحدى الندوات التي سلطت الضوء على ذاكرة فرقة المعمورة
كان الهدف من التنشيط المسرحي في زمن الحماية، الحد من المد النضالي لحركة المقاومة، خاصة بعد تأسست فرق هاوية كفرقة العروبة بالدار البيضاء التي أسسها المقاوم عبد الله الهراوي، وفرقة ماسيس التي كان من بين أعضائها محمد سعيد عفيفي، وفرقة كواكب المغرب التي كان ينشط داخلها البشير العلج, وفرق أخرى بمدن الرباط ومراكش وفاس كانت تنتمي إليها أسماء ذات حضور قوي في الساحة النضالية عرفت بمواقفها المناوئة للسلطات الاستعمارية، وبتبعيتها لأحزاب سياسية خاصة الاستقلال والشورى.
طبع فوازان اسمه في سجل المسرح، حيث قام بوضع نواة المسرح الوطني المغربي، وكان أول مشرف على معهد الأبحاث المسرحية بالمغرب رفقة مواطنه بيار ريشي وعبد الله شقرون وعبد الصمد الكنفاوي والطيب الصديقي.
بعد حصول المغرب على الاستقلال لم يغادر أندري الركح، بل ظل مرتبطا بـ«أب الفنون» وبعلاقات نسجها مع فنانين مغاربة، قبل أن يتلقى في بداية السبعينات دعوة من التلفزيون الفرنسي الذي تنقل فيه بين الإخراج والإنتاج، وفي منتصف الثمانين أعلن اعتزاله وظل يتردد على المغرب الذي حضر بقوة في كثير من أعماله.
في عام 1991 توفي أندري بباريس مخلفا وراءه رصيدا من الإبداع الذي تجاوز حدود فرنسا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا.