بحث الملك محمد السادس يرصد التحول الكبير في موقف ليبيا القذافي من ملف الصحراء المغربية بعد التقارب مع الحسن الثاني
عزيز الحور
كما ذكرنا سابقا، أعلن الملك محمد السادس عن ثلاثة أوجه للتضامن المغربي الليبي بموجب معاهدة وجدة المحدثة للاتحاد العربي الإفريقي، أولها التضامن لحل قضايا القارة الإفريقية بشكل عام، من قبيل الميز العنصري والتدخل الأجنبي، وهو ما وقفنا عنده في الحلقة السابقة، والهدف الثاني هو تنسيق المواقف إزاء ما وصفه الملك في بحثه بـ «التوتر المصطنع في شمال غرب إفريقيا»، أما الهدف الثالث فيجري على واجهة «قضايا التضامن العربي الإفريقي».
الواجهة الثانية التي تحدث عنها الملك، وهي «التوتر المصطنع في شمال غرب إفريقيا»، تشكل نقطة مفصلية في الاتفاق المغربي الليبي، وعلى مستواها نلمس ما ذهبنا إليه في حلقات سابقة من تحليل مؤداه أن الحسن الثاني تمكن، عبر اقتراح اتفاق وحدوي على العقيد القذافي، من تحويل جهد الزعيم الليبي من تأييد الانفصاليين عسكريا إلى أمن الجانب الليبي على الأقل في أفق تطويع موقفه من قضية الصحراء المغربية وصرفها بعد ذلك إلى الإقرار بمغربية الصحراء التي توصف جغرافيا بالغربية.
وقد اتضح ذلك في المواقف الرسمية التي عبر عنها المسؤولون الليبيون بعد توقيع اتفاقية وجدة، وبرز بالواضح أن ثمة تغيرا كبيرا في التصوير الليبي لقضية الصحراء المغربية. يقول الملك محمد السادس: «في شمال غرب إفريقيا حيث التوتر المصطنع وهو ما يسمى بمشكل الصحراء، فإن الدولتين متفقتان على ما جاء في المبادرة التي أعلن عنها صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني أمام مؤتمر القمة الإفريقية الثامن عشر المنعقد بنيروبي سنة 1981، والمتمثلة في إجراء استفتاء في الصحراء من أجل التصالح الإفريقي، وبالتالي فإنهما يريان في إجراء هذا الاستفتاء حلا نهائيا لهذا المشكل. وهذا ما تؤكده التصريحات الصادرة عن المسؤولين في كلا البلدين. فجلالة الملك الحسن الثاني أكد مرات عديد مطالبة المغرب بتنظيم الاستفتاء في الصحراء وباحترام نتائجه مهما كانت (وهنا يحيل الملك على حديث للحسن الثاني إلى مجموعة من الصحافيين الإيطاليين يوم 11 أبريل 1985)، وقبول التعاون في هذا الصدد مع منظمة الوحدة الإفريقية وعدم استبعادها رغم انسحاب المغرب منها. كما أكد الرئيس الليبي معمر القذافي على ضرورة إجراء هذا الاستفتاء واستعداد بلاده لتسهيل تنظيمه».
لقد ظهر، إذن، موقف رسمي ليبي جديد معبر عنه من طرف أعلى سلطة في هذا البلد على لسان معمر القذافي نفسه، وهو موقف يؤيد الطرح المغربي حينها والذي كان يقترح إجراء استفتاء بالصحراء كي يتم الحسم في خيار الصحراويين بشأن ما يريدونه. لكن كان واضحا، ومن باب ما تقتضيه قواعد اللعبة الدبلوماسية، أن لا يظهر أن ثمة انقلابا مفاجئا في الموقف الليبي مباشرة بعد الاتفاق مع المغرب على إقامة اتحاد، لذلك سارت التصريحات الليبية في اتجاه التأكيد على أن هذا الموقف الليبي، الذي يبدو جديدا، هو قديم، كما ظل المسؤولون الليبيون يؤكدون أن ليبيا لم تدعم يوما الانفصال في الصحراء، وهو أقل ما يمكن تأكيده بموجب الثابت من الوثائق والتصريحات.
في هذا الصدد يقول الملك محمد السادس في بحثه: «أكد كذلك رئيس الديبلوماسية الليبية من جهته أن بلاده تؤيد إجراء الاستفتاء في الصحراء وفقا لقرارات منظمة الوحدة الإفريقية وتحت إشراف دولي. وأضاف أن ليبيا لم تقل في يوم من الأيام أنها ضد انضمام الصحراء إلى المغرب بل هي ضد التجزئة وتصدع الوحدة العربية. إلى جانب ذلك فإن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية بسبب قبول ما يسمى بالجمهورية الصحراوية المزعومة، لم يؤثر على العلاقات التي تربطه بالدول الإفريقية، إذ ما زال «يحتفظ بعلاقات ممتازة مع جل البلدان الإفريقية»، ولكن خرق المشروعية وعدم حل مشكل الصحراء»قد يقوض العلاقات بين البلدان العربية الإفريقية»»، يحيل الملك على الحديث الصحافي للملك الراحل الحسن الثاني أمام الصحافيين الإيطاليين المذكور آنفا.
لاحظنا كيف أن الملك حاول استعراض المواقف الرسمية لكل من طرفي معاهدة وجدة من النزاع المفتعل حول الصحراء، بالنظر إليه قبل كل شيء نظرة موضوعية باعتباره ملفا يهم ليبيا والمغرب على السواء وليس لأنه أمر يتعلق بالمغرب فقط، مدليا بتصريحات أدلى بها قائدا الدولتين ثم أردف بتصريحات دبلوماسيين، قبل أن يخلص، في هذا الباب، إلى الإتيان بوقائع تدعم الموقف الليبي «الجديد» من قضية الوحدة الترابية للمغرب. وهنا يقول الملك: «وقد أدت محاولات إقحام الجمهورية الصحراوية الوهمية المذكورة ضمن المجموعة الإفريقية في المؤتمر العربي الإفريقي الذي كان مقررا عقده في طرابلس في الفترة الممتدة من 15 و18 أبريل 1985، إلى اعتذار ليبيا عن استضافة هذا المؤتمر، وطلبها تأجيله إلى تاريخ لاحق حتى تتمكن الأطراف العربية والإفريقية من العمل على تذليل الخلافات وتهييء الجو الملائم لعقد المؤتمر في ظروف تسمح بالمشاركة الإيجابية لجميع الأطراف. وبغض النظر عن أن الحكومة الجزائرية أرادت استغلال هذا المؤتمر للقيام بمناورة جديدة ومفضوحة تهدف إلى جعل الدول العربية تعترف بالانفصاليين عن طريق حضورهم اجتماعات مشتركة بين الجانبين العربي والإفريقي، فإن الموقف الليبي يعكس حقيقتين، أولاهما حرص الجماهيرية الليبية على توفير الشروط لنجاح المؤتمر العربي الإفريقي، وثانيهما التزامها بالأهداف التي يرمي إليها الاتحاد العربي الإفريقي، وما يتطلبه من تعاون ديبلوماسي وثيق سواء عن طريق المبادرات الانفرادية أو عن طريق القرارات المشتركة».