شوف تشوف

شوف تشوف

باطرونات النقابة

في يوم الأحد 6 أبريل، سوف يضطر زعيم نقابة البنكيين، المناضل العصامي فاروق شهير إلى ركن سيارته المرسيديس آخر طراز، غير بعيد عن مطعمه المفضل «لابافارواز»، ليلتحق بساحة النصر مشيا على الأقدام، تواضعا من سيادته لأجل اللحاق برفاقه في الصف النقابي، والسير في مقدمة مسيرة 6 أبريل المجيدة المقرر تنظيمها بمدينة الدار البيضاء دفاعا عن الكادحين، تحت شعار «المسيرة الوطنية الاحتجاجية دفاعا عن القدرة الشرائية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية».
وهناك ستلتقي القيادة الثلاثية للاتحاد المغربي للشغل بالقيادة الأبدية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي ظلت منذ تأسيسها سنة 1978 بمثابة الابن العاق للراحل المحجوب بن الصديق، وكما ستلتقي بحفيدتها «الفدرالية الديمقراطية للشغل» التي خرجت من رحم الكونفدرالية، وسيحيي الجميع بالمناسبة حزب الاستقلال في شخص قيادته النقابية العتيدة، على تفضله بالمشاركة في مسيرتهم العمالية للإطاحة «برأس الفساد» عبد الاله بنكيران، ولا أدري إن كان منظمو المسيرة  قد اختاروا يوم 6 أبريل كيوم للاحتجاج عمدا، أم إنها مجرد صدفة، لأن هذا التاريخ يحيل على خلفيات ودلالات ترتبط بحركة 6 أبريل المصرية، والتي كانت قد اتهمت بالخيانة والعمالة والتدرب في صربيا بتمويل من منظمات دولية وصلت إلى القضاء.
وستلتحق بساحة النصر أيضا فصائل اليسار الراديكالي في طبعته النقابية، التي تطلق على نفسها تسمية «التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل»، والذين رفعوا بالأمس القريب شعار «ارحل»  في وجه فاروق شهير، ونعتوه في رسالة موجهة إلى موخاريق  بقائد الانقلابات وصاحب الإجراءات البيروقراطية والاستئصالية، وبأن هدفه كان هو «تطهير» المركزية من العناصر المناضلة الديمقراطية المُناهضة للفساد والمتشبثة بشعار «خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها».
وسيغمد الرفاق الفضلاء سيوفهم المصقولة إلى حين، وسيشكرون العمدة حميد شباط على إرجاع عمالهم المطرودين في فاس إلى عملهم، وعلى صرف رواتبهم كاملة، ليرفعوا أصواتهم ضد حكومة بنكيران مطالبين برحيلها.
والحقيقة أن الشعب المغربي بكامله يجب أن يخرج للمطالبة برحيل بنكيران، ولكن ليس وراء تلك النخب المستفيدة من الريع النقابي، ويجب على بنكيران أن يعترف بكونه أخفق في محاربة الفساد وحافظ على الاستبداد، فرفع شعار «عفا الله عما سلف» لصالح مهربي الأموال، وغض الطرف عن ناهبي المال العام، وحاكم فاضحي الفساد، واستلذ «التبوريد» بالشفوي في البرلمان على طريقة عبد الخالق فهيد، تاركا العفاريت والتماسيح «يتبوردون» عليه في الشارع، و»يشرملون» سياسته بألسنتهم الحادة الطويلة، دون أن يرف لهم جفن، أو يحمر لهم وجه أو يتلعثم لهم لسان، مثلما «يشرمل» بعض ذوي السوابق أجساد المواطنين هذه الأيام في شوارع مدننا وقرانا بالسيوف الرهيبة، ويتفاخرون بذلك على صفحات الفيسبوك.
وإذا كان من حق الشعب المغربي أن يخرج في مسيرات ومسيرات من أجل المطالبة بتعميم الحماية الاجتماعية، وضمان خدمات صحية لائقة لكافة المأجورين وتأمين تقاعد آمن ومريح والتطبيق الفعلي لمدونة الشغل والسهر على احترام إجبارية التصريح بالمأجورين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغير ذلك من المطالب، فإن تزاحم بعض الوجوه البالية من القياديين على الصفوف الأمامية للمسيرة، يجعل درب النضال مريرا مرارة الحنظل.
فلو أن السيد بنكيران كانت له الجرأة السياسية لإرسال قضاة المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة لوزارة المالية الخاضعة لسلطته كرئيس للحكومة لتراقب صناديق تلك النقابات، ومصادر تمويلها المعروفة، بدل أن يستجدي من موخاريق المشاركة في حكومته ليسخن به أكتافه الباردة، لكان قد قدم خدمة تاريخية للمواطن المغربي، وحمى الصناديق الاجتماعية، ولما اضطر إلى التفكير في رفع سن التقاعد لتأخير إفلاس صناديقه، والذي تتحمل مسؤولية ما آلت إليه كل الأطراف الاجتماعية.
ويكفي للمتتبع أن يراقب الغنى الفاحش الذي يرفل فيه بعض الزعماء النقابيين لكي يكتشف أن فلسفة  «نتا نقب وأنا نقب» هي العملة الوحيدة المتداولة في الساحة النقابية، منذ بداية الاستقلال، أي منذ أن كان لرجال الشرطة فرع نقابي لهم بنقابة الاتحاد المغربي للشغل على عهد المدير العام لغزاوي، وإلى اليوم.
فإذا كان السيد فاروق شهير قد عمر على رأس نقابة البنكيين لسنوات، دون أن يتزحزح من مكانه، فلأنه يؤمن بشعار أن «من لا تنظيم له لا قوة له»، وهو الشعار الوحيد الذي تعلمه منذ نعومة أظفاره عندما تم تشغيله على أبواب الشركة العامة المغربية للأبناك، لذلك فهو يسهر على البقاء على رأس التنظيم ولو كان تنظيما للشبيبة، كحالة منظمة الشبيبة العاملة التابع للاتحاد، والذي بقي رئيسا له إلى ما بعد بلوغه سن الخمسين، ولا يزال يتحكم في خيوطه إلى الآن.
وإذا نحن تركنا جانبا السجل النقابي للسيد شهير وفتحنا سجله التجاري فإننا سنجد أن زعيمنا (أبو سفيان) يتوفر على شركة ذات المسؤولية المحدودة بشريك وحيد متخصصة في نقل البضائع مؤسسة تحت عدد 223441 برأسمال قدره 100.000 درهم.
ولأنه مخلص للاتحاد فقد اختار تسمية شركته باسم «اتحاد خدمات النقل»، وقام بتوطينها بشارع لاجيروند إقامة 2000 رقم 7 الفداء، الدار البيضاء، لتكون بذلك في ضيافة نعمان الموخاريق، الذي ليس سوى ابن رفيقه في درب النضال النقابي.
وبما أن القيادة الثلاثية لنقابة الاتحاد المغربي للشغل لا تكتمل بفاروق شهير وموخاريق وحدهما، فقد كان لا بد أن نعثر في نفس العنوان على شركة «لوغامال»، وهي شركة متخصصة في اللوجستيك في ملكية السيدة أمال العمري، أسست في نفس يوم تأسيس شركة «اتحاد خدمات للنقل» تحت عدد 223467 برأسمال قدره 100.000 درهم.
كما تستوطن، ويا للمصادفة العجيبة، في نفس العنوان شركة ذات المسؤولية المحدودة تسمى شركة «التبادل التجاري المغربي» مؤسسة منذ تاريخ 19/10/2005  تحت عدد 144289 في اسم أمين الموخاريق.
وطبعا لا يمكن للإنسان إلا أن يثمن هذا التعاون بين زعمائنا النقابيين، وهذا السخاء في مد يدهم بسخاء لمساعدة بعضهم البعض، وبقائهم في نفس الوقت أوفياء لشعاراتهم ومبادئهم التي جبلوا عليها منذ أن كانوا عمالا كادحين إلى أن صاروا برجوازيين أرباب شركات.
وللإشارة فإن السيدة أمال العمري هي مستخدمة بنكية، وهي في الآن ذاته عضو الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل وفي نقابة البنكيين، وهي بهذه الصفة عضو اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وعضو منتخب بالمجلس الإداري للصندوق التعاضدي المهني المغربي إلى جانب فاروق شهير الذي يشغل منصب النائب الأول لرئيس الصندوق.
وهذا الصندوق العجيب المسمى اختصارا «لاكميم»، ويعنى بمنح تعويضات اجتماعية لمنخرطيه في حالة المرض أو العجز، هو ما يمكن نقابة الموخاريق من فرض سيطرتها عبره على القطاعات المنخرطة فيه، ومنها قطاع البنوك على الخصوص.
كما يستغل الصندوق من أجل توفير مصادر للريع للأهل والأقارب والأحباب، إذ أن التعاقد مع المصحات والخبراء ومختلف الفاعلين في القطاع الصحي لا يخضع في الغالب لمعايير شفافة ومضبوطة، ويكفي أن نقدم نموذجا على سياسة «باك صاحبي» في صندوق «لاكميم» بخصوص التعاقد مع شركات الخدمات البصرية، ليظهر لنا كيف أن الصندوق تعاقد مع شركة لتقديم الخدمات الطبية المتعلقة بالبصريات تسمى «أوبتيكاليس» كائنة برقم 327 شارع الزرقطوني الدار البيضاء أسست في 08/08/2007 تحت عدد 169485 في شكل شركة ذات المسؤولية المحدودة برأسمال قدره 200.000 درهم، والتي تعنى حسب شهادة السجل التجاري باستيراد وبيع الأدوات البصرية، في حين أن من تسيرها هي سيدة اسمها هاني ليلي، والتي ليست سوى زوجة شهير.
فأن تكون «طبيبة العيون» الشابة هاني ليلى زوجة للسيد فاروق شهير أو زوجة لابنه فإن  ذلك لا يغير في الأمر شيئا، لأن الحقيقة الوحيدة المستخلصة من هذه الواقعة أن «لاكميم»، التي تعوض بنسبة 85 في المائة  قيمة الزجاج وبمبلغ 600 درهم قيمة النظارات لكل مستفيد مرة كل 24 شهرا في الحالات العادية أو كل 12 شهرا بالنسبة إلى الأطفال، تضخ تلك التعويضات في جيب أقرباء زعمائنا النقابيين، الذين يتفضلون بالتضامن معنا بين الفينة والأخرى ويخرجون، «الله يجازيهم بخير»، لكي يطالبوا بتوفير الحماية الصحية لنا ولأولادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى