«بازار» بجوار هيئة دبلوماسية
يونس جنوحي
في كل مدينة يجب دائما أن تجد أمرين: صائدي العقار وسماسرة البنايات مجهولة الملكية. ولا يمكن أن يخلو مكان ما في المغرب من هذين «الشعبين» إلى درجة يجب معها أن يخلقوا حزبا لهم.
تخيلوا أنه في مدينة طنجة القديمة توجد بناية كانت في السابق مقرا للمفوضية البريطانية. أي أنها أقدم مكان دبلوماسي رسمي في المغرب. وهي عبارة عن منزل تقليدي عادي جدا، كان قنصل المملكة المتحدة يتخذه مكتبا لاستقبال زائري المغرب لكي يختم لهم الجوازات ويمنحهم أوراق الاعتماد وينصحهم بالوجهات التي يجب أن يذهبوا إليها والأخرى التي يجدر بهم تجنبها، وكانت صلاحيته تتيح له أيضا توفير الحماية الضرورية لهم أثناء زيارتهم إلى المغرب أو إقامتهم داخله سواء كانوا سياحا عاديين أو رجال أعمال وحتى سياسيين وعسكريين وصحافيين.
هذا المنزل لا يزال واقفا، ويتربع في زقاق ضيق. اكتشفتُه خلال جولات منتظمة بالمدينة القديمة التي يجري ترميمها هذه الأيام.
إذ إن أحد المستثمرين المغاربة في مجال السياحة، اشترى المنزل الملاصق له في فترة بداية الجائحة خلال أبريل الماضي، وقرر أن يحوله إلى «بازار» لعرض المنتوجات التقليدية وبيعها للسياح.
ورغم أنه أصبح جارا بشكل رسمي لأقدم تمثيلية دبلوماسية أجنبية في المغرب، إلا أنه لا يوجد نهائيا ما يشير إلى أهمية تلك الدار وتاريخها.
وقفتُ طويلا عند عتبة المنزل الطنجاوي الموصد وتأملت عتبته التي كتب عنها الصحافي لاورنس هاريس وقال إنه تخطاها وكاد يتعثر بها قبل أن يلتقي ممثل المفوضية البريطانية لكي يحصل منه على وثيقة تسمح له بالسفر إلى فاس قبل 120 سنة من اليوم.
وقبله، كانت «إيميلي كين» شريفة وزان التي جاءت إلى المغرب خلال فترة 1870، وكانت موظفة في هذه المفوضية البريطانية، ولا شك أنها حضرت اجتماعات واحتفالات بقلب تلك الدار التي استقبلت شخصيات تصلح قصصها للروايات العالمية والأفلام السينمائية. والكل يعرف بطبيعة الحال كيف أنها تزوجت شريف مدينة وزان وغادرت العمل الدبلوماسي وأثار زواجها منه زوبعة كبيرة في المغرب لأن زيجتهما كانت من أولى حالات الزواج بين المغاربة والأجانب في تاريخ المغرب.
باب المنزل الذي يحمل الطراز الطنجاوي القديم يوحي بأنه عرف عمليات ترميم متكررة لكي يبقى صامدا في وجه ظلام الزقاق والرطوبة النسبية داخل الأحياء الضيقة. بينما الترقيم القديم الذي مُنح للدار بدأ يتآكل هو الآخر.
وبعكس المفوضية الأمريكية التي تحولت اليوم إلى متحف يعرض للزوار صور مكتب القنصل الأمريكي بل وحتى أجهزة التلفون التي كانت تُستعمل من طرف الدبلوماسيين الأمريكيين الأوائل في المغرب منذ بداية القرن العشرين، فإن المغاربة لا يعرفون الكثير عن المفوضية البريطانية رغم أنها كانت الأولى في المغرب.
ورغم وجود اختلافات تاريخية في المصادر الرسمية، إلا أن سكان مدينة طنجة القدامى، بحسب ما سمعوه من أجدادهم الذين جايلوا مرحلة بداية التحاق الأجانب بالمدينة، يؤكدون أن الإنجليز هم أول من اختار الاستقرار بين سكان طنجة.
وفي سوق الداخل بنفس المدينة، سنة 2018، خاضت عائلات مغربية حربا ضروسا ضد وحوش العقار الذين حاولوا استصدار رخصة هدم بناية، حيث حاولوا استصدار رخصة الهدم ولكن خطتهم لم تنجح. إذ إن المشرف على عملية تقييم العمارة المراد هدمها كتب تقريرا مفصلا يؤكد فيه أن البناية لا تزال صالحة للسكن لمائة سنة أخرى وأن وضعية أساسها وجدرانها لا تزال متينة وفي حالة جيدة.
عندما ترى سلالم العمارة وهندسة أبوابها البريطانية وحجم نوافذها الواسعة وحرص مصممها سنة 1894، على أن تتعرض كل غرفها لأشعة الشمس، تُدرك فعلا أن أخطر أمرين على ذاكرة الشعوب هما الزلازل ووحوش العقار.