شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بابيشا

 

 

تحول المغاربة، خلال العقد الأخير، من شعب يعيش تحت ظل دولة مؤسسات حديثة وقوانين وتشريعات تنظم الحياة العامة والعلاقة بين الأفراد وتسير الشأن الداخلي والخارجي للبلاد، إلى شعب يشبه إلى حد بعيد أولئك القوم الذين يجلسون دائما في أمان الله وحفظه حتى يدخل عليهم أعرابي من «السوشال ميديا» يتحفهم بغبائه ووقاحته.

هذا ما حدث بالضبط، خلال الأسبوع الماضي، حين أطلت علينا إحدى العاهات الرقمية أو ما يصطلح عليهم تجاوزا بمؤثري مواقع التواصل الاجتماعي. شاب يبدو جليا أنه يعاني من اضطرابات عقلية وسلوكية خطيرة، عوض أن يتجه إلى طلب المساعدة النفسية وإعادة التأهيل، اتجه، شأنه شأن معظم المجانين والحمقى في عصر «ميتا»، إلى تسجيل نفسه وهو في حالة صراخ هيستيرية أرغد وأزبد خلالها بكلمات مثيرة للسخرية والشفقة معا. ما فهمته من خلال تعليقات رواد «التيكتوك» أن هذا الكائن الهلامي اللزج انفصل مؤخرا عن زوجته التي يبدو أنها بدورها مؤثرة روتينية يومية اشتهرت بتقديم نصائح لحساوية للمراهقات، لتكبير حجم المؤخرات وتصغير حجم الخلايا الدماغية والفص الأمامي المسؤول عن الفهم والإدراك.

حالة من الغضب الشديد تملكت كائن الستيرويد بعد أن خرجت طليقته بتصريح (عقلتو أيام كان مصطلح «التصريح» متعلق فقط بكلينتون وكورباتشوف وبطرس غالي؟.. إيه يا ليام) لمّحت فيه إلى أن سبب الانفصال الرئيسي كان هو القدرة الجنسية المتواضعة لمول البادر، الذي يبدو أنه شعر بإهانة شديدة ليفقد أعصابه في تصريح مضاد قدم خلاله أدلة علمية تثبت بشكل قاطع أنه شديد الفحولة والرجولة. وهو الأمر الذي أكدته له بما لا يدع مجالا للشك طبيبة نسائية على حد قوله. أتساءل فقط هل كان موعد الفحص قبل الدورة الشهرية أو بعدها؟ في انتظار أن تجيبنا الطليقة عن هذا السؤال الملح في خرجاتها الإعلامية البهلوانية المرتقبة.

لابد من التساؤل عن التدهور الحاصل اليوم في مؤسسة الزواج المغربية، وكيف تحول هذا الميثاق الغليظ إلى كلاشات ولايفات وبودكاستات وفلوكات.. كيف سقط العقل الجمعي المغربي والعربي كذلك من أعلى قلاع تهافت الفلاسفة وتهافت التهافت، إلى الدرك الأسفل من تهافت ومعاطية الكائنات الرقمية العشوائية؟ كيف كانت مؤسسة الزواج في الماضي، وماذا تغير حتى تحول التسريح بإحسان إلى ساحة حرب يتنافس فيها الطليقان حول عدد اللايكات والمشاهدات؟

لقد خضع مفهوم الزواج لتحول عميق على مر القرون، فتطور من اتحاد تقليدي قائم على التوقعات الاجتماعية والاقتصادية والدينية إلى مؤسسة أكثر فردية ومرونة. وقد تشكل هذا التطور من خلال التغييرات في المعايير المجتمعية، وأدوار الجنسين والأطر القانونية، وفي السنوات الأخيرة أدى صعود وسائل التواصل الاجتماعية إلى تغيير كيفية إدراكنا للحب والعلاقات والزواج.

تاريخيا كان الزواج أقل ارتباطا بالحب الرومانسي وأكثر ارتباطا بالضرورة الاجتماعية والاقتصادية. في الثقافة المغربية، على سبيل المثال، كان يُنظر إلى الزواج باعتباره عقدا بين العائلات وليس الأفراد.. إذ تحتفظ الذاكرة الشعبية المغربية ولحد الآن بعبارة «تناسبنا مع دار فلان». غالبا ما كان هذا العقد يعمل على تعزيز العلاقات التجارية بين الأسر، أو اكتساب الثروة أو ضمان استمرار نسل معين. يجوز لنا القول إن الآباء كانوا يرتبون الزيجات لتأمين الأرض، أو الميراث أو السلطة السياسية. وبالمثل، في العديد من أجزاء العالم، كانت الزيجات مدفوعة بتوقعات الأسرة والمجتمع، وليس الاختيار الشخصي.

في هذه البيئات التقليدية، يتم تحديد أدوار الزوجين بشكل صارم. كان يُنظر إلى الرجال عادة على أنهم المعيلون الوحيدون للأسر، في حين كان من المتوقع للنساء إدارة المنزل وتربية الأطفال. كانت هذه الأدوار، التي ترسخت في الأعراف الأبوية، سببا في الحد من الاستقلال الشخصي، وخاصة بالنسبة للنساء. وكانت فكرة الزواج باعتباره شراكة بين أنداد غائبة في كثير من الثقافات حتى أواخر القرن العشرين.

بدأ التحول نحو الحب الرومانسي كعنصر أساسي في الزواج خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وخاصة في المجتمعات الغربية. شجع التنوير وصعود الفردية الناس على التفكير أكثر في السعادة الشخصية وممارسة حقهم الإنساني في اختيار الشريك المناسب. انعكس هذا التحول في الأدب والفن والفلسفة، التي بدأت تصور الزواج باعتباره رابطا عاطفيا بين شخصين وليس مجرد معاملة. اكتسبت فكرة أن الحب يجب أن يكون أساس الزواج قوة، وبحلول القرن العشرين، أصبح من المعتاد في العديد من المجتمعات أن يتزوج الزوجان على أساس المودة المتبادلة والرغبة.

من المجحف إنكار الحمولة الاجتماعية الإيجابية التي جلبتها لنا التغيرات البنيوية التي طرأت على مؤسسة الزواج في المئة عام الماضية، لكن المجحف حقا أن يسيطر علينا الخوف والرعب الشديد كمغاربة نجلس في أمان الله من الدخول المفاجئ لأعرابي آخر..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى