بابا رئيس فريق
حسن البصري
قال ولد لفشوش لأبيه: «زملائي في المدرسة يلحون على تعزيز الفريق بلاعب مستورد من لا ليغا».
رد الأب بنبرة غاضبة: «يا بني، الميزانية لا تكفي لشراء محافظ الأمتعة في ناد إسباني فأحرى التعاقد مع لاعب».
ضرب الولد كفا بكف وتوقف عن مداعبة هاتفه الذكي وراح يبحث عن ماما لنقل شكواه إلى «فيفا» البيت، وهو يردد: «ماذا سأقول لزملائي غدا؟».
لا يهتم الأب بملتمس ابنه الذي لا يفرق بين اقتناء هدية وشراء لاعب كامل الأوصاف، ولا يعلم الابن أن سوق الانتقالات يختلف عن التسوق في سوق تجاري مهما كانت درجة التخفيضات.
ساعات قليلة ويغلق باب انتقالات اللاعبين، الذي يصطلح عليه في قاموس الكرة بـ«الميركاتو» الشتوي، فقد وضع رؤساء الفرق المغربية اللمسات الأخيرة على مشترياتهم كل حسب ما ملكت يداه، رغم أن الأزمة المالية ترخي بظلالها على محيط الكرة.
في عالم كرة القدم ضوابط تمكن الاستعانة بها لتخليق المشهد السياسي، والحد من فوضى الانتقالات من حزب إلى آخر، وتقنين عمليات تغيير الجلد التي تمليها عادة نوايا التجميل والتخسيس المصلحي. الرجوع إلى دستور الكرة يمنحنا فرصة الحد من رياضة القفز بالزانة من هيئة سياسية إلى أخرى، والعمل بصفقات انتقال لا تكتمل إلا بجلوس طرفين حول مائدة الحوار، ووجود عقد انتقال ووسيط أشبه بالمأذون، وصحافي له زغرودة عابرة للقارات.
تماما مثل ما يحدث في عالم كرة القدم، يحرص قلة من السياسيين على إحاطة صفقة انضمام سياسي آخر بالسرية التامة، على الأقل من باب «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» ليس المثبت في الأذنين طبعا. لا فرق بين صفقة انضمام الوافد الجديد والصفقات التي تتم في عالم الكرة، هناك منافع متبادلة وأموال من تحت الطاولة ووسيط يستعجل التعاقد، الشيء الوحيد الذي يسقط من التعاقدات السياسية، هو الاختبار البدني والطبي والتقني.
في ضوابط الكرة المغربية، يمنع على المدرب التعاقد مع فريقين أو أكثر في موسم رياضي واحد، في ما يشبه منع التعدد والدفع بأحادية الزواج الكروي، وإذا حصل أبغض الحلال إلى الله، فإن المدرب يقضي ما تبقى من موسم الكرة هائما على وجهه أو محللا في القنوات التلفزيونية وفي مقاهي القرب، حتى الإذاعات والقنوات تستثمر «الميركاتو» الشتوي لاستبدال قطع غيارها.
لا فرق بين الكرة والسياسة، ففي «الميركاتو» يتذوق الجميع طعم الترقب الرتيب، يدمنون على قراءة الصحف ويعلنون ولاءهم لمصدر موثوق، فقد يتمخض جبل الانتقالات فيلد تغييرات في صفوف العمال والولاة والسفراء وكل من يحمل قميص السلطة. الشرط الأساسي في الانتداب لياقة بدنية تساير النموذج التنموي الجديد. لكن الاختلاف بين التسوق الكروي والسياسي يكمن في انسحاب عبارة «اللي ما شرا يتنزه» من ملاعب السياسيين. لا مجال للتنزه، ولا دخل لمواقع التسوق الإلكتروني على الخط «ميركاتو» من نوع آخر.
يقول الراسخون في علم الكرة: «الميركاتو يورث الفقر»، ويؤكدون بأن الشهر الذي يليه يكون شهر الباذنجان، حيث يصبح ترشيد النفقات «شرط عين»، فتتفنن زوجاتهم في إعداد وجبات قوامها خضر رخيصة الأسعار وجنيسة للحوم في نفس الوقت.
نعود إلى الولد الغاضب من أمنية لم يحققها له والده الرئيس، فقد قرر العصيان وضم صوته إلى المطالبين بالانتدابات الشتوية، وباسم مستعار يلتمس تمديد فترة الانتقالات إلى أجل غير مسمى. وحين عاد إلى المدرسة مكرها تظاهر بمرض عابر يعفيه من السؤال، بينما لاحظ زملاؤه أن الأب غير سائق السيارة وليس المهاجم الصائم عن التهديف بدون أجر. لهذا سنظل شعبا مهزوما على أرضه وبين جمهوره إلى أن يصبح «ميركاتو» استبدال المسيرين حقيقة.
اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحيي بلدك الميت.