شوف تشوف

الدوليةالرأيالرئيسية

انهيار العملة التركية

جمال أكاديري

 

فقدت العملة التركية 50 في المائة من قيمتها هذا العام، مما جعل ملايين الأتراك من الطبقة المتوسطة، يشعرون كأنهم يتدحرجون جهة خط الفقر. وعلى الرغم، من أن الزيادات الحادة في الأسعار، كانت محسوسة في أثناء انتشار الوباء، فهي ما زالت حتى الآن طاغية، في جميع أنحاء العالم، وبسببها تضررت العديد من الاقتصادات الناشئة، لكن في تركيا تضاعف تأثيرها عدة مرات، حيث تجاوز التضخم في هذا البلد مستويات غير مسبوقة، متصاعدا حتى بلغ عتبة 21  في المائة.

تنبع الأزمة النقدية التركية، في جزء كبير منها، من السياسات الاقتصادية المعتمدة من طرف الرئيس التركي أردوغان. فبعد قرابة عقدين في السلطة، أقال زعيم الحزب الإسلامي، تقريبا، كل من شغل منصبا رفيعا في النظام الاقتصادي التركي، أو اختلف معه في قراراته غير التقليدية وغير المعهودة، وهكذا خلال سنوات حكمه، تمكن من إضعاف مؤسسات الدولة التركية، بشكل كبير، معتمدا سياسة تركيز المزيد من السلطات النافذة، تحت إشرافه المباشر، والآن، كما يصرح المراقبون الأتراك، وصل إلى نقطة، حيث إنه يسيطر على الاقتصاد بشكل شبه كامل، إذ لم يعد يعارضه أحد في الائتلاف الحكومي.

كجزء من سياسته النقدية، مارس ضغوطا على البنك المركزي، لخفض أسعار الفائدة، على الرغم من التضخم المتفاقم. فعادة ما يتم تفعيل عكس هذا الإجراء، في حالات التضخم السريع، ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، لتشجيع المستهلكين على الادخار، وتجنب الإقبال على القروض، وبالتالي تهدئة التضخم. لكن أردوغان دفع باتجاه أسعار فائدة منخفضة، وألقى باللوم، لما انفجرت الزيادات الهائلة في الأسعار، على تدخل الأطماع الأجنبية في الشؤون النقدية الداخلية، رغم أنه لم يوضح هويتها، أو طبيعة تدخلها في الاقتصاد التركي.

يثير الانخفاض الكبير في قيمة الليرة مخاوف من أن الأزمة سوف تتعمق، وتتحول إلى عدم استقرار مالي كبير، ويحذر الاقتصاديون أيضا من احتمال وقوع انقضاض جماعي على البنوك، أو أزمة كارثية في المديونية الداخلية، سيضع النظام الاقتصادي أمام أكبر تحدي، يواجه المؤسسات المالية التركية منذ عقود.

نظرية الرئيس أردوغان وأنصاره هي أن التقلبات في سعر صرف الليرة مؤقتة، وكلها جزء من استراتيجية طويلة المدى، لتشجيع الصادرات، وجعل الاقتصاد التركي يعتمد على الإنتاج والصناعة.

ولهذا، يرحبون بفكرة تراجع قيمة العملة التركية، لتشجيع اقتصاد قائم على التصدير، على غرار اقتصادات شرق آسيا. ويقال إن الرئيس التركي حبك هذه الاستراتيجية، كجزء من صراع أوسع ضد الدول الغربية، التي يتهمها بالرغبة في تقييد اقتصاد تركيا الجامح.

لكن هناك من يجادل بأن الاستراتيجية من المحتمل أن تفشل، لأن التضخم يضغط على المصدرين، الذين يتعين عليهم الآن، دفع المزيد مقابل الطاقة والمواد الخام المستوردة.

كما أن التقلبات الكبيرة، في قيمة الليرة تجعل عملية التسعير مستحيلة.

ثم إن فكرة إضعاف الليرة لتشجيع الصادرات، هي تغيير في الاستراتيجية مقارنة بالاستراتيجية السابقة، التي اعتمدها مسؤولون أتراك أقالهم أردوغان. وقد أنفق البنك المركزي عشرات ملايير الدولارات، من احتياطيات النقد الأجنبي، في مدة محدودة وقصيرة، لتحقيق الاستقرار في تقلبات قيمة العملة، ومن أجل كبح جماح تدهورها المتواصل.

في غضون ذلك، تمكنت البنوك التركية من الصمود في وجه أزمة تدهور العملة. لكن الاقتصاديين يخشون من أن يؤدي المزيد من انهيار الليرة إلى غضب شعبي، سيتهمها بالسبب في ذلك، أو أن تصل تركيا إلى حالة إفلاس، في ما يتعلق بديونها بالعملة الأجنبية.

إذن، فانخفاض قيمة الليرة التركية، وتراجع بورصة إسطنبول، هما انعكاسان وعلامتان على عدم الثقة في الأسواق المالية التركية، نتج عنهما سحب رؤوس الأموال، من قبل الكثير من المستثمرين الأجانب. كما أنهما تشهدان على فقدان مصداقية البنك المركزي في تركيا، وتزايد الشكوك، بشأن الاستقلال الحقيقي لهذا البنك، بعيدا عن هيمنة قرارات زعيم حزب العدالة والتنمية التركي الذي ما زال، على عكس ما يوصي به الغالبية العظمى من الاقتصاديين في مكافحة التضخم، يؤيد بقوة خفض أسعار الفائدة، رغم وشوك وقوع الكارثة. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من السياسة النقدية، بالطبع، إلى تحفيز الاقتصاد التركي على المدى القصير، ولكنه سيؤدي بدون شك إلى تسارع التضخم.

وهكذا، يمكن تلخيص المعضلة التي تواجه الاقتصاد التركي في ما يلي:

خفض أسعار الفائدة، من أجل تحفيز الاقتصاد، فيه خطر قتل القوة الشرائية، مع انهيار قيمة العملة المحلية بالكامل، وبالتالي تزعزع الاستقرار المالي. وفي حالة اللجوء إلى زيادة أسعار الفائدة، للدفاع عن قيمة الليرة التركية، سيحد من تصاعد منحنى الانتعاش الاقتصادي، وبالتالي سيتراجع النمو بشكل مقلق وغير متوقع.

نافذة:

أردوغان دفع باتجاه أسعار فائدة منخفضة وألقى باللوم لما انفجرت الزيادات الهائلة في الأسعار على تدخل الأطماع الأجنبية في الشؤون النقدية الداخلية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى