شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

انقلاب النيجر وأهمية الساحل

أحمد مصطفى

مقالات ذات صلة

 

مع أن الغموض ما زال يحيط بمحاولة الانقلاب العسكري في النيجر على أول رئيس منتخب في البلاد من أكثر من ستة عقود، إلا أن تداعيات المحاولة، سواء نجحت أو فشلت، لا تقتصر على هذا البلد الذي يقع في ما تسمى منطقة الساحل والصحراء في شرق إفريقيا.

صحيح أن الانقلابات العسكرية ليست بجديدة، لا على النيجر ولا على بقية دول الساحل التي شهدت أكثر من انقلاب في العامين الأخيرين، إلا أن ما يجري في النيجر يحمل دلالات مهمة وتبعات ربما تنعكس على دول الجوار، ومنها دول عربية مثل ليبيا والجزائر. ناهيك طبعا بتشاد ونيجيريا، البلدين الكبيرين في جنوب الصحراء.

ينتمي الرئيس محمد بازوم، الذي انقلب عليه الحرس الجمهوري وربما بعض قيادات عسكرية لا تمثل قيادة جيش النيجر، إلى الأقلية العربية في النيجر. لكن ذلك ربما ليس عاملا مهما في تفسير الانقلاب، وإن كان الأقرب للمنطق أنه كان ينوي تغيير رئيس الحرس الجمهوري الجنرال عمر تشياني في اليوم نفسه للانقلاب، فاستبق الأخير قرار عزله.

وما ينذر بصراع دموي في البلاد إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع واستعادة الشرعية الديموقراطية، هو احتمال اقتتال قوات الجيش المختلفة في صراع على السلطة أقرب لما يجري في السودان، منذ أشهر. ولا يفصل النيجر عن السودان سوى تشاد، التي لا شك ستكون في وضع حرج محشورة بين بلدين يشهدان قتالا داخليا.

الرئيس بازوم من بين قادة إفريقيا الذين تخلفوا عن القمة التي استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزعماء إفريقيا. كما أنه معروف بموالاته للولايات المتحدة والغرب، على عكس الانقلابين في دول الجوار مالي وبوركينا فاسو. حيث طردت مالي بعد الانقلاب العسكري القوات الفرنسية، التي كانت في منطقة الساحل منذ سنوات، لمكافحة الإرهاب الذي تقوده جماعات متطرفة موالية لداعش والقاعدة.

أما بازوم، فرحب بالقوات الفرنسية، كما أنه يعتمد على الولايات المتحدة وأوروبا في محاولاته إصلاح اقتصاد بلاده، وذلك عبر منح ومساعدات كان آخرها ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارته إلى النيجر، قبل أشهر قليلة، كأول وزير خارجية أمريكي يزور البلاد.

الانقلابات العسكرية في دول جوار النيجر في منطقة الساحل استبدلت الجهد الفرنسي والغربي، بالاستعانة بقوات مجموعة «فاغنر» الروسية في مكافحة الإرهاب وحماية مناجم الذهب، وهو ما لم يفعله رئيس النيجر. وإذا كانت مالي وبوركينا فاسو وغيرهما لديها مناجم ذهب، فإن النيجر ترقد على واحد من أكبر مخزونات اليورانيوم الخام في العالم. وفي ظل الجهود الدولية للتحول في مجال الطاقة نحو مصادر مستدامة نظيفة، يصبح اليورانيوم مستهدفا أساسيا في سياق إنتاج الطاقة بالمفاعلات النووية، كما يحدث في دول كثيرة الآن.

تستهدف أغلب هجمات الجماعات الإرهابية في مالي وغيرها من دول الساحل مناجم الذهب، كمصدر سريع وسهل لتمويل نشاطها من تجنيد العناصر والإنفاق على التسليح وغيره من لوجستيات. لكن استهداف مناجم يورانيوم من قبل جماعات إرهابية كهذه، يمكن أن يمثل كارثة عالمية حقيقية.

رغم أن النيجر بلد فقير إلى حد ما، ويشهد أزمات متكررة نتيجة اعتماده الرئيسي على الثروة الزراعية والحيوانية، إلا أن موقعه ما بين الجزائر الغنية بالغاز ونيجيريا الغنية بالنفط، يجعل أي اضطراب فيه مصدر قلق عالمي، في وقت تشهد سوق الطاقة العالمية هشاشة، نتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات على موسكو. فمنذ حظرت أوروبا استيراد الطاقة من روسيا وأحد مصادر وارداتها البديلة هي دول إفريقيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والخليج ودول آسيا الوسطى.

وليس من الشطط أبدا التفكير في أن ما يجري في النيجر، وإن كان مرتبطا أكثر بما جرى ويجري في دول الساحل المجاورة لها، ليس ببعيد عما يجري في السودان وقبلها ليبيا. ولعل جذر كل ذلك يتعلق فعلا بتوسع نطاق نشاط الإرهاب وجماعاته التي ضربت في آسيا، وآخرها في سوريا، في قارة إفريقيا التي ربما تبدو بعيدة عن اهتمام العالم تقليديا.

لكن القارة يجب ألا تكون بعيدة عن اهتمام الدول العربية الرئيسية، ليس في إفريقيا فحسب، بل ودول الخليج والدول العربية في آسيا كلها. ليس فقط من قبيل الاهتمام بمصالح اقتصادية محتملة، وإنما في سياق الحرب على الإرهاب التي لم تنته بإعلان التحالف الدولي للقضاء على داعش في العراق وسوريا. وإذا كانت منطقة القرن الإفريقي تبدو استراتيجيا أقرب وأهم لمنطقتنا، وللعالم أيضا بالطبع، فإن منطقة الساحل والصحراء ليست بأقل أهمية. بل إن الاضطرابات فيها لو تركت دون جهد لاستعادة استقرارها، قد تكون أكثر خطرا. فكما يقول المثل: «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، ولا شك أن دعم تلك الدول لمكافحة الإرهاب، يوقف منابع الجماعات المتطرفة المسلحة التي تحاول تجميع قواها في إفريقيا جنوب الصحراء. ومكافحتها هناك تتطلب التعاون مع دول المنطقة، التي تحتاج أولا إلى استقرار أوضاعها. فأي فرصة لتعزيز الجماعات الإرهابية لوضعها، ستعود وبالا على العالم بأسره وأوله منطقتنا.

نافذة:

ما يجري في النيجر يحمل دلالات مهمة وتبعات ربما تنعكس على دول الجوار ومنها دول عربية مثل ليبيا والجزائر ناهيك طبعا بتشاد ونيجيريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى