السمارة: محمد سليماني
بدأ انفصاليو تندوف حملة كبيرة من أجل التحرش بالتقارب المغربي – الموريتاني الذي بدأ يعرف في الآونة الأخيرة انطلاقة جديدة تخدم مصالح البلدين، الأمر الذي يرى فيه الطرف الآخر بتندوف والجزائر آخر مسمار يدق في نعش هذا الكيان الوهمي.
واستنادا إلى المعطيات، فإن توالي الأحداث بخصوص التقارب المغربي- الموريتاني خلال الأسابيع الأخيرة، والتي بدأت بلقاء جمع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزاوني، بالملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء يوم 20 دجنبر الماضي، تلاه مباشرة سفر قائدي البلدين في وقت متزامن إلى أبوظبي. وتوالت الأحداث بشكل متسارع، إذ بعد أسابيع من ذلك، تم بالرباط توقيع مذكرة تفاهم تقضي بتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة بين المغرب وموريتانيا، والتي وقعها، يوم الخميس 23 يناير الجاري، كل من وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، ونظيرها وزير الطاقة والنفط الموريتاني محمد ولد خالد بمقر الوزارة بالرباط. وعبرت موريتانيا، كذلك، عن انخراطها بشكل صريح وواضح في مشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب، والاستعداد لتوقيع اتفاقيات أخرى في قطاعات حيوية، ما يعطي للتعاون بين البلدين مستقبلا أفضل.
غير أن النقطة التي أرعبت كثيرا «انفصاليي تندوف» هي الاستعدادات الجارية على قدم وساق بالمغرب من أجل فتح معبر بري ثان يربط المغرب بشمال موريتانيا، وبالضبط من منطقة «أمكالة» بإقليم السمارة، نحو منطقة «بئر أم كرين» بالتراب الموريتاني، ما يعني حصار «مليشيات» بوليساريو في منطقة تندوف فقط، ومنعها من أي تسلل محتمل مستقبلا نحو التراب المغربي أو الموريتاني عبر المنطقة العازلة، التي كانت تتحرك فيها هذه المليشيات قبل 13 نونبر 2020، أي قبل تحرير المغرب لمعبر الكركرات من تحرشات «المليشيات» المسلحة. وهذا يعني حصار «الانفصاليين» في التراب الجزائري فقط.
وفي هذا الصدد وجه البشير مصطفى السيد، القيادي في «بوليساريو»، تهديدات مباشرة إلى القيادة الموريتانية، قائلا: «إن أبواب النار ستفتح على موريتانيا إن هي وصلت في سياق اتفاقيات التكامل الواسع الذي تعقده حاليا مع المغرب، إلى فتح معبر حدودي بين السمارة و«بئر أم كرين» شمال موريتانيا». وأضاف البشير مصطفى السيد، في تصريح لصحيفة إسبانية، أن «فتح معبر جديد بين المغرب وموريتانيا، يعني اعتراف موريتانيا بحدود مع المغرب وليس مع الصحراء، وذلك يعني ضمنيا سحب الاعتراف بالبوليساريو وهذا سيقحمها في الحرب».
وليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها قادة «بوليساريو» تهديدات بشن الحرب، بل أصبح الأـمر ديدنهم في لحظة وحين، غير أن الواقع على الأرض، والتحولات الجيوسياسية على المستويين الدولي والإقليمي أضحى يشي بتغيرات كثيرة تسير في اتجاه الطي النهائي لملف النزاع المفتعل بالصحراء المغربية، والتي تأكد للانفصاليين أنفسهم أن المغرب يسير في اتجاه ربح المعركة سياسيا ودبلوماسيا بعدما ربحها عسكريا.
واستنادا إلى المعطيات، فإن المملكة المغربية، تباشر منذ مدة أشغال بناء طريق جديد يربط ما بين «أمكالة» بإقليم السمارة والجدار الدفاعي شرق المنطقة، وذلك في أفق إتمامه نحو منطقة «بئر أم كرين» بشمال موريتانيا. ويعول على هذه الطريق من أجل جعل السمارة بوابة جديدة نحو العمق الإفريقي، وخصوصا مع دول الساحل، فضلا عن أنها ستجعل السمارة ممرا حيويا للمبادلات التجارية مع دول إفريقية عديدة، بعد القرار الاستراتيجي المتعلق بالمبادرة الملكية لولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي.
ويأتي طموح إنشاء طريق السمارة- موريتانيا بعدما سبق أن أطلقت وزارة التجهيز مشروع طريق يربط إقليم السمارة بمنطقة «أمكالة» عبر «الكعيدة»، وهو ما يعتبر تأسيسا قبليا لمعبر حدودي نحو موريتانيا، ما سيجعل إقليم السمارة منفتحا على عمقه الإفريقي وسيوفر ذلك إمكانيات اقتصادية مهمة للإقليم. كما تم أخيرا بناء قارعة هذه الطريق على طول 10 كيلومترا، والتي رصد لها غلاف مالي يناهز 4 ملايين و780 ألف درهم. وفي السياق ذاته سبق أن قامت جرافات وآليات ضخمة للقوات المسلحة الملكية بتمشيط المسار المقترح للطريق الجديد، وذلك استعدادا لمباشرة أشغال تنفيذ المشروع الطرقي عند إقراره.
وكان الطريق الذي سيربط «أمكالة» بمنطقة «بئر أم كرين» الموريتانية بدأ الحديث عنه بالمملكة المغربية، منذ سنة 2018، وذلك عندما كشفت وزارة التجهيز واللوجستيك آنذاك عن بدء دراسة مشروع فتح معبر ثان نحو إفريقيا يمر شرقا عبر السمارة و«الكلتة» وسيكون الأقرب لبلوغ موريتانيا ومالي وباقي دول غرب إفريقيا، وستكون هذه الطريق الأقرب نحو موريتانيا وعدد من دول الغرب الإفريقي، ما سيسهل انسيابية تدفق السلع والخضر والبضائع نحو هذه الدول.