شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

انفجارات بدون شظايا

 

 

 

يونس جنوحي

فجرت وكالات استخبارات غربية فضيحة من العيار الثقيل عندما وجهت قبل أيام أصابع الاتهام نحو الصين متهمة إياها برعاية مجموعة قرصنة صينية، مهمتها التجسس على البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الوكالات الأجنبية للاستخبارات، والمعروفة اختصارا بـ  «FVEY»، تضم استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا. وقالت الوكالات في تقرير صدر لها هذا الشهر، إن الصين تنفذ هجمات من هذا النوع في كل أنحاء العالم.

شركة «مايكروسوفت»، دخلت على الخط وقالت في بيان لها إنها رصدت نشاطا إلكترونيا تنفذه مجموعة صينية تعمل على التسلل واختراق شبكات البنيات التحتية الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ماذا يعني هذا الكلام؟

القراصنة الصينيون قد يستيقظون ذات صباح ويوقفون حركة الطائرات الأمريكية في كل المطارات، وقد يوقفون قطارات الولايات الأمريكية كلها، ويجمدون الأبناك بـ«كبسة زر» كما يقال.

الولوج إلى نظام البنيات التحتية في أي دولة حديثة في العالم، يعني إعادتها في رمشة عين إلى القرن الثامن عشر.

شركة «مايكروسوفت» التي شاركت بدورها في تفجير هذه الفضيحة التي تنفذها منذ أيام مجموعة القرصنة الصينية، أكدت أن هذا الهجوم سوف يتسبب في إحداث «اضطرابات في البنى التحتية الحيوية للاتصالات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمنطقة الآسيوية». وتنبأت الشركة بصعوبة التصدي لهذا النوع من الهجمات «السيبرانية»، رغم أن الولايات المتحدة تعتبر من الدول الرائدة عالميا في توفير الحماية الرقمية للمعطيات والبيانات والأنظمة المعقدة بما فيها بيانات أنظمة وكالة الفضاء والأجهزة العسكرية المتطورة.

الهجوم، حسب ما نشرته صحيفة «SCMP» الصينية، استهدف قطاعات النقل والصناعة والبناء والمجال البحري والتعليم والخدمات الحكومية.

الهدف من الهجوم لم يكن جمع المعلومات أو شن هجومات للتعطيل الفوري لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإداراتها واقتصادها، بل الهدف الوحيد كان الحفاظ على الولوج إلى الأنظمة الأمريكية أطول فترة ممكنة دون أن يتم رصد هذا التسلل الذي تقوده مجموعة القرصنة الصينية.

بعض التقارير، ومنها تقرير وكالات الاستخبارات الغربية، أكدت أن القراصنة يستفيدون من دعم حكومة بلادهم لمواصلة الأنشطة من هذا النوع. وهو ما يعني أن الحرب الإلكترونية بين الصين والدول الغربية قد بدأت فعلا.

التقارير تؤكد أن المجموعة الصينية استهدفت البنية التحتية الحيوية في جزيرة «غوام» الأمريكية منذ سنة 2021.

والذين يعرفون هذه الجزيرة الأمريكية، واعون بأن مستهدفيها لا يبحثون عن الفنادق ولا الاستجمام، وإنما يهمهم الولوج إلى بيانات القاعدة العسكرية الموجودة هناك، والتي تمثل سدا أمنيا قويا للأمريكيين في المحيط الهادي.

شركة «مايكروسوفت» التي أثار صاحبها «بيل غيتس» الجدل خصوصا خلال فترة انتشار كورونا، تشتغل الآن على إعداد إرشادات لمواجهة هذا النوع من الاختراق، وهو ما يعني أن الرجل يستثمر في الحرب الجديدة لاختراق البيانات بين الدول، وأنه يقدم الآن معلومات ثمينة إلى حكومة الولايات المتحدة ووكالة استخباراتها ووكالات بقية الدول المنتمية إلى اتحاد وكالات الاستخبارات الغربية، بل إن شركته اقترحت توجيه إرشادات للمؤسسات الحيوية لكشف محاولات القرصنة قبل وقوعها ومكافحتها مستقبلا.

وهذا يعني أن أحلام «بيل غيتس» الذي سرق منه «إيلون ماسك» الأضواء بسيطرته على سوق السيارات الكهربائية ودخول عالم صناعة المركبات الفضائية، قد يعود إلى الواجهة في الأيام القادمة لكي يصبح الحارس الخاص لأنظمة مخابرات العالم.

في القديم، كان جواسيس المخابرات هم الحِراب الذكية التي تدافع بها الدول عن سيادتها وأسرارها العسكرية. أما الآن، فيمكن لشاب جالس في غرفة نومه أن يصبح جنديا في تنظيم سري، ويسرق نصف أبناك العالم.

الهجوم الذي تتحدث عنه هذه التقارير، عالية المصداقية، ليس من الانفجارات التي تترك الشظايا والحطام، ورغم هذا كله فإن أثره قد يشل دولة بأكملها في رمشة عين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى