بعد سنة على اعتقال المسؤولين الأمنيين المتهمين في ملف الاختلاسات والتزوير والصفقات المشبوهة، أنهت القاضية المكلفة بالتحقيق بغرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، يوم الجمعة الماضي، سلسلة التحقيقات التفصيلية حول التهم الخطيرة المنسوبة للأطر الأمنية ورجل أعمال وتاجر ذهب وزوجة متهم رئيسي في الملف، وهو مسؤول كبير كان يشغل مركزا مهما بمصلحة الصفقات.
وأفادت مصادر عليمة بأن المتهمين الثمانية في الملف، وهم خمسة مسؤولين أمنيين ورجل أعمال متابعون في حالة اعتقال، وشخصان آخران توبعا في حالة سراح، بينهم زوجة مسؤول أمني، خضعوا لتحقيقات تفصيلية ماراثونية من طرف قاضية التحقيق المعروفة بصرامتها ودقتها في إنجاز التحقيقات المرتبطة بملفات الفساد المالي الكبيرة والمثيرة، قبل أن تحيلهم على القضاء الجالس وتحيل معهم خلاصات التحقيق التي حددت مستوى وطبيعة العمليات الإجرامية التي صدرت عنهم خلال تدبيرهم لعشرات الصفقات والتوريدات .
وضمن تفاصيل التهم الموجهة للمتهمين، قررت القاضية المكلفة بالتحقيق بالغرفة الثانية بجرائم الأموال بالرباط متابعة خمسة مسؤولين وموظفين أمنيين متابعين في حالة اعتقال وهم (ي. ب) وهو موظف أمني برتبة عميد إقليمي، و(م.ت) برتبة عميد شرطة، و(ع.ص) موظف بالمديرية برتبة قائد هيئة حضرية و(ز.ح) موظف أمن برتبة عميد شرطة ممتاز و(ا.ع) رجل أمن برتبة ضابط شرطة، بتهم تكوين عصابة إجرامية واختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير في محررات عمومية وإفشاء السر المهني واستغلال النفوذ وتلقي رشاو ومبالغ مالية وهدايا مقابل القيام بأعمال غير مشروعة مرتبطة بوظيفتهم، فيما قررت متابعة المتهم السادس، وهو رجل أعمال يتابع هو الآخر بتهمة تكوين عصابة إجرامية والمشاركة في اختلاس وتبديد أموال عمومية والمشاركة في إفشاء السر والارتشاء، أما باقي المتهمين وعددهم اثنان بينهما سيدة تابعتهما المحكمة في حالة سراح، فيواجهان تهمة تزوير محرر تجاري واستعماله.
وكانت التحريات الأولية في هذا الملف المثير، الذي حظي بمتابعة خاصة من طرف المدير العام لمديرية الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، في إطار مساعيه الحثيثة لتخليق المرفق الشرطي وعدم التهاون مع قضايا الفساد المالي والمهني، شملت، في البداية، أربعة أطر أمنية، بينهم مسؤول عن المشتريات بالمديرية ومساعدان له وكولونيل قائد هيئة حضرية، تتراوح أعمارهم بين 36 و59 سنة، وهمت، في وقت لاحق، زوجة أحدهم ومسؤولا أمنيا آخر، إلى جانب رجل أعمال مقاول مندوب شركة دولية حازت على صفقات مهمة شكلت موضوعا للبحث والتقصي، بالإضافة إلى تاجر مجوهرات .
وكان بلاغ رسمي للمديرية العامة أكد أن مصالح المديرية العامة للأمن الوطني باشرت عملية افتحاص ومراجعة شاملة لمسطرة إبرام وتنفيذ صفقة عمومية لتوريد معدات لوجيستيكية، وهي العملية التي رصدت مجموعة من الاختلالات والتجاوزات المنسوبة لموظفي الشرطة المشتبه فيهم، وهم، على التوالي، عميد شرطة إقليمي، وعميد شرطة ممتاز، وقائد هيئة، علاوة على عميد شرطة وضابط أمن.
وأصدر المدير العام للأمن الوطني، على ضوء نتائج عملية الافتحاص والتدقيق، قرارا تأديبيًا يقضي بالتوقيف المؤقت عن العمل في حق المسؤولين والأطر المشتبه فيهم، بينما باشرت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أبحاثا وتحقيقات معمقة تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك بعد الاشتباه في قبول هؤلاء المسؤولين والأطر لمنافع مادية ومزايا عينية لتمكين شركة محددة من تنفيذ صفقة عمومية، وإفشاء السر المهني، واستغلال البعض منهم لسيارات المصلحة لقضاء أغراض شخصية، وكذا المشاركة في تبديد واختلاس أموال عمومية.
وأكد بلاغ المديرية العامة أن إجراءات البحث القضائي شملت، أيضا، زوجة أحد المسؤولين الأمنيين المشتبه فيهم وكذا تاجر حلي ومجوهرات بمدينة مكناس، بعد الاشتباه في تورطهما في تقديم إيصالات وسندات مزورة لإثبات عملية تجارية وهمية بغرض إضفاء طابع مشروع على تحويلات مالية متحصلة من نشاط إجرامي. وامتد البحث القضائي المنجز في هذه القضية، حسب المصدر نفسه، ليشمل التحري حول شبهة تواطؤ المسؤولين والأطر الأمنيين المشتبه فيهم مع مندوب الشركة الأجنبية التي قامت بتنفيذ هذه الصفقة، والذي يشتبه في تورطه في المشاركة في ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، مضيفا أنه تم عرض المشتبه فيهم الثمانية على أنظار النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، التي أشرفت على مجريات البحث، وذلك مباشرة بعد استكمال جميع الإجراءات المسطرية والخبرات التقنية التي تطلبها البحث التمهيدي المنجز في هذه القضية.