انحطاط التأويل السياسي للفقه الشيعي: القدس.. عبر حرستا وحلب! (2/2)
ما دمنا في سيرة نصر الله، لعلّ من الواجب استذكار التحوّل النوعي، المذهبي الصريح، في خطابه السياسي ابتداءً من العام 2013؛ حين أعلن، ليس دون فورة غضب أشدّ من المعتاد: «نريد أن نقول لكلّ عدو ولكلّ صديق، نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم»؛ «ونحن حزب الله. الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثنا عشري، لن نتخلى عن فلسطين»؛ وأيضاً: «قولوا رافضة. قولوا إرهابيين. قولوا مجرمين. اقتلونا تحت كل حجر ومدر، وفي كل جبهة، وعلى باب كلّ حسينية ومسجد، نحن شيعة علي بن أبي طالب»!.
صحيح أنه لم يستبق أهزوجة أطفال الـ«باسيج» الإيرانيين، في الربط بين حلب والقدس؛ إلا أنّ نصر الله لم يتلكأ عن استئناف لازمة كبرى في خطاباته، منذ أن أقرّ علانية باشتراك حزبه في القتال إلى جانب النظام: «إنّ وجود مقاتلينا ومجاهدينا على الأرض السورية، هو بهدف الدفاع عن لبنان والدفاع عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية»!
والوشائج، الإشكالية منها بصفة خاصة، بين الفقه الشيعي المذهبي والفقه الشيعي السياسي، ليست موضوع هذه السطور، ولا يسمح بها المقام أصلاً؛ ما خلا التشديد على التئام البون بين التبشير والتفكير من جهة أولى، والفعل والممارسة على الأرض من جهة ثانية. وهنا تُتاح هوامش واسعة لتلمّس مقدار الانحطاط في تفكير يحثّ الأطفال على التطوّع للقتال من أجل القدس، ولكن عبر حلب؛ وممارسة ميدانية، في أصقاع مختلفة من سوريا، لا تخلص في نهاية المطاف إلا إلى مساندة نظام الاستبداد والفساد وحكم العائلة والوراثة وجرائم الحرب. وهكذا فإنّ مشهد «الثورة الإسلامية» في إيران يبدو اليوم بعيداً كلّ البعد، ولعلّه بات منفصلاً تماماً، عن ذلك المشروع الذي شاع سنة 1979، وانطوى على ما سُمّي بـ«بديل اجتماعي وقومي، في إطار ديني ثوري»، يسند إلى رجال الدين أدواراً اجتماعية وسياسية وإيديولوجية عابرة للطبقات والأديان والعقائد.
وسيبقى أنّ حال الانحطاط هذه ليست منفصلة، على أيّ نحو، عن مبدأ ولاية الفقيه؛ بل من المشروع للمرء أن يقول اليوم، كما في الماضي وعلى امتداد 37 سنة من عمر «الثورة الإسلامية»، أنّ الأمل لن يكون كبيراً في تعديل مسيرة الانحدار ـ الفقهي/ السياسي المشترك، هذه المرّة ـ ما لم يقف الإيرانيون موقف المراجعة الراديكالية الشاملة لهذا المبدأ بالذات، وتصحيح علاقته بالحياة والحقّ والحقوق، وبالسياسة في الداخل والجوار والعالم.
وذات يوم غير بعيد، كان آية الله أحمد أزاري ـ قمّي، أحد كبار شارحي فكر الخميني ومنظّري ولاية الفقيه، قد اشتكى ـ في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وقعت في 34 صفحة، تمّ تداولها على نطاق واسع ـ من أنّ الأجهزة الأمنية المرتبطة مباشرة بمكتب خامنئي أخذت تضيّق الخناق عليه، بعد تنكيلها بالشخصية البارزة المعارضة آية الله منتظري، بسبب معارضته العلنية لمبدأ ولاية الفقيه. وانطوت الرسالة على هذه المناشدة، بعد تذكير الرئيس أنّ 23 مليون إيرانية وإيراني صوّتوا له: «بهذا التصويت وضع شعبنا الشجاع قيادتنا الراهنة بأسرها تحت المساءلة، وأنا فخور بهذا. ولكن حذار، سيدي الرئيس، من أن تكون آخر رؤساء الجمهورية الإسلامية، لأنّ هذا قد يكون مصيرك إذا لم تتحرّك الآن من أجل الوقف الفوري للمظالم التي تلحق بالناس تحت اسم الإسلام».
هل كان أزاري ـ قمي ينفخ في قربة مقطوعة؟ أغلب الظنّ، إذا استعرض المرء مسارات الانحطاط اللاحقة: من نبوءات أحمدي نجاد، حول «المهدي يد الله»؛ وصولاً إلى نصر الله وقاسم سليماني، حيثما اختارا جغرافية تزييف المسير نحو القدس؛ وصولاً إلى أطفال خامنئي، المتطوعين للجهاد في حلب.