تسود حالة غضب وتخوف شديدين بالصويرة، بسبب اختلالات في تنزيل البرنامج التكميلي لتأهيل وتثمين المدينة العتيقة للصويرة الذي يحظى برعاية ملكية سامية، وهو البرنامج الذي تعول عليه «مدينة الرياح»، لإنقاذ وتثمين الموروث الثقافي للمساهمة في الإقلاع السياحي والتنموي للمدينة، وتكريس مكانتها البارزة ضمن المدن العالمية المصنفة.
فعاليات مدنية وحقوقية ومهتمون بالتراث يدقون ناقوس الخطر، بسبب غياب التواصل بخصوص المعطيات المتداولة بالمدينة حول فشل السلطات في التنزيل الصحيح لبرنامج التأهيل المتفق عليه والملتزم به، خاصة على المستوى التقني والنجاعة والجودة وتناسب الترميمات المنجزة مع القيمة التاريخية للأسوار والأزقة والدور التاريخية.
وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن فعاليات مدنية وحقوقية مهتمة راسلت السلطات المختصة بوزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، من أجل إيفاد لجنة مركزية خاصة، للنظر في الاتهامات الموجهة إلى المشرفين على ترميم المدينة العتيقة بالصويرة، والوقوف على مدى صحتها. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الملف يوجد على طاولة الوزيرة نزهة بوشارب، التي زارت الإقليم قبل أربعة أسابيع فقط، من أجل تدشين مشاريع مختلفة بتراب الإقليم، دون الخوض في تفاصيل الاتهامات التي تلاحق ملف ترميم المدينة العتيقة بالصويرة.
وضمن تفاصيل تقنية حول المشروع، يتداول مختصون في مجال التعمير وفن المعمار بالمدينة مجموعة من الملاحظات تتعلق بعدم وجود تصاميم مسبقة، وبناء عدد من المنازل القديمة بشكل لم يحترم حمولتها التاريخية، وهو ما سيجعل المدينة القديمة تفقد خصوصيتها. وتضيف المعطيات ذاتها أن الأوراش جد كبيرة، في الوقت الذي يلاحظ محدودية العمال المكلفين بالإنجاز، وهو ما يجعل الأشغال تسير بشكل بطيء، كما سجلت ملاحظات حول الطريقة المعتمدة في ترميم المنازل التي تبدو عادية دون استحضار الطابع التقليدي والتاريخي والفني للبنايات الخاضعة للترميم، مشيرة إلى أن هناك منازل تم ترميمها مرتين، بسبب عدم مطابقتها للمطلوب، وهو ما سبق لوالي الجهة أن نبه إليه، داعيا المشرفين على الورش إلى ضرورة توفير كل التصاميم.
ومن المؤاخذات التي يسجلها الشارع الصويري المهتم بالملف، أن هناك مجموعة من المستثمرين في الدور والمنازل القديمة الآيلة للسقوط استفادوا مجانا من عملية الترميم أو الإفراغ، مع العلم أنهم يعيدون البيع والشراء في هذا النوع من المنازل، خاصة وأن لهم إمكانيات مالية للترميم، ويحدث هذا في ظل وجود من هم أحق بالعملية ولم تشملهم عملية الإحصاء في الترميم.
ويتحدث بعض سكان المدينة العتيقة عما أسموها الارتجالية المعتادة للمكتب الوطني للكهرباء والماء، فيما يخص الكهرباء وصناديق الربط، مما يهدد بإعادة إنتاج واجهات بعشرات خيوط المد الكهربائي، وفي ما يتعلق بالترصيف، فقد أكدت الفعاليات نفسها أن العملية وطبيعة الأحجار لا تنسجم إطلاقا مع القيمة التاريخية للمدينة العتيقة، وتحدثت عن الارتجال الذي يطبع الأشغال، حيث يتم الاشتغال في غياب تصور واضح، وهو ما فرض التدخل أكثر من مرة لاستبدال شبكة المياه العادمة ومياه الشرب وحفر الطرقات واقتلاع الأرصفة، مثل ما يجري في شارع محمد بن عبد الله، وفي ساحة المنزه وبزنقة وجدة والعراق والكويت وغيرها، حيث تمت إعادة الأشغال أكثر من مرة، مع ما رافقها من تبذير وضياع للمال العام.
وأشار منتقدون لهذا الورش الكبير المتعلق بترميم المدينة العتيقة إلى غياب الإتقان والجودة في إنجاز الأشغال، ويتجلى ذلك في طريقة تبليط الأسوار والحيطان، كما أن ملاحظة عملية التزليج تُظهر للوهلة الأولى وجود انزياح أو اعوجاج وعدم التناسق، ثم وجود فراغات وتشوهات بارزة، تنتهي بالتفكك وتتسبب في تعثر الراجلين.
وطالبت الفعاليات بضرورة تجديد شبكة الصرف الصحي وكذلك قنوات الماء الشروب، إضافة إلى عملية ترميم المباني، بدل الاقتصار على تجديد البالوعات دون استبدال قنوات الصرف الصحي في بعض الأزقة الداخلية، كما سجلت عدم الاهتمام بإحداث قنوات صرف المياه الشتوية، وهو ما يجب التأكد منه قبل تبليط الطرقات وتغطيتها بالزليج.
وهمت الانتقادات كذلك مصير الدور الآيلة للسقوط، حيث تفيد المادة 3 من الاتفاقية الإطار المتعلقة بالبرنامج التكميلي لتأهيل وتثمين المدينة العتيقة للصويرة 2023- 2029، بأن التدخلات تهم تدعيم 333 بناية متبقية من البرامج السابقة لم تتم معالجتها، و105 بنايات إضافية، والهدم الجزئي والكلي لـ123 بناية والتعويض المباشر لـ800 أسرة. وأخذا بهذه المعطيات، طالبت فعاليات المدينة بضرورة الاهتمام بالدور الآيلة للسقوط التي يلتصق بعضها ببعض منذ الاستعمار الفرنسي، حيث الأسقف المهترئة تقف منتصبة فوق رؤوس قاطنيها بحي الملاح، وبيوت يقطنها من تردت أوضاعهم الاجتماعية وضاقت حالتهم المادية، خاصة بزنقة اللبانة والموحدين وزنقة الحوز، ويبدو لافتا بهذه الأزقة وغيرها بقايا الخرسانة التي تلتقطها أعين زوار المدينة العتيقة على قلتهم بمجرد المرور بها، ثم أسقف بيوت مؤهلة للاستسلام لعوامل التعرية والأمطار في أقرب فرصة.