انتخابات الأردن.. أبواب الإخوان المواربة
إلى جانب الإشكاليات التي تتصل بقانون الانتخابات الأردني الجديد ـ خاصة حول ما إذا كان ينقل النظام التمثيلي خطوة إلى الامام، أم يردّه خطوات إلى وراء، أم يبقيه مراوحاً في المكان رغم موجبات التقدّم… ـ ثمة طارئ واحد، حتى الساعة، جدير بالمراقبة واستقصاء الدلالة: عودة جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بحزب «جبهة العمل الإسلامي»، بعد غياب امتدّ تسع سنوات، ونجم عن قرار الجماعة بالمقاطعة.
وقد لا يكون السؤال الأهمّ ذاك الذي يرتبط بما ستحققه التحالفات الإسلامية من نتائج، وما ستنجح في إرساله إلى مجلس النوّاب من ممثليها، بل في مدى اقتران تلك النتائج بواقع حال الحركات الإسلامية الأردنية عموماً، ثمّ مزاج الشارع الشعبي العريض استطراداً. ذلك لأنّ البيت الإخواني، في ذاته أولاً، بات موزعاً على أربع كُتل، قد يكون ما خفي فيها وحولها أكبر مغزى مما بان؛ ولأنّ المآل هذا اختُبر من قبل، انتخابياً، على صعيد نقابي مثلاً (انتخابات المعلمين، والخسران الأفدح للجماعة في نقابة هيمنوا عليها طويلاً). هذا إذا وضع المرء جانباً حقيقة السجالات داخل الصفّ الإسلامي، حول مسائل عقائدية وتنظيمية، وأخرى سياسية محلية أردنية وفلسطينية وعربية. وهذا، كذلك، إذا افترض المرء إياه أنّ التناحرات الأجيالية، بين القيادات الشائخة والكوادر الشابة، وبين الهرم والقاعدة، لن تدخل في أطوار أكثر حدّة ونزوعاً إلى الاستقطاب، وربما الكسور والانشقاقات.
ثمة ما يشبه العودة إلى الحياة السياسية، في مستواها النيابي الراهن على الأقلّ، عبر أبواب أبقتها الجماعة مواربة عن سابق قصد وتصميم؛ لا لأنّ فعل المواربة يتيح مرونة أكبر، ومناورة أوسع تالياً، فحسب؛ بل أساساً لأنّ تاريخ علاقة الحركات الإسلامية الأردنية بهذا الطراز من المشاركة السياسية سار على منوال مماثل، حكمته الكبرى تمزج بين الانحناء البارع أمام العواصف، واغتنام الرياح إذا هبّت مواتية؛ وغالباً ما يكون التوقيت محكماً، والتكتيك مطابقاً.
ومن الإنصاف التذكير بأنّ أقدار إسلاميي الأردن غير منفصلة عن أقدار إسلام شعبي، أو شعبوي في أمثلة كثيرة، استقطب أمزجة متنوعة وشرائح اجتماعية متباينة، وأحسن استغلال موجات التديّن العامّ، وامتطى سخط الجماهير من الأنظمة المستبدة، وسعى إلى توظيف احتجاج الشارع… فاكتسب، كما بات معروفاً وجلياً، مقادير متفاوتة من الشعبية، كانت في كلّ حال أكبر مما استطاعت اكتسابه تيارات علمانية يسارية أو ليبرالية زعمت تمثيل آمال الناس ومطامحهم.
على قدم المساواة، لا تختلف اسباب قصور إسلاميي الأردن عن أسباب قصور أقرانهم هنا وهناك في الأقطار العربية؛ خاصة خلوّ البرامج من المعالجات الملموسة للهموم الشعبية، والوطنية، فضلاً عن تقلّب المواقف السياسية ومهادنة الأنظمة وخيانة العهود والمواثيق. ولم يكن عجيباً، كما بات واضحاً وجلياً هنا أيضاً، أن يُتاح لـ«إسلام» آخر أن يصعد بقوّة ـ في إهاب أسامة بن لادن، أو الزرقاوي، أو البغدادي، أو الجولاني… ـ وأن يجمّد نفوذ الحركات الإسلامية التقليدية، ثم ينتقل من التجميد إلى التجنيد، وصولاً إلى شقّ الصفوف وشرذمة التنظيمات.
وقبل أشهر معدودات، حين تفاقمت أزمات الحركات الإسلامية الأردنية على صعيد حياتها التنظيمية الداخلية، وكُرّست الانشقاقات عملياً؛ تردد، ليس دون صواب في الواقع، أنّ هذه الحركات فقدت الكثير من جاذبيتها، السياسية والعقائدية، وبالتالي لم تعد أبوابها مواربة بما يكفي لتسهيل الدخول والخروج معاً، وتوجب أن تتنازل عن بعض، أو معظم، طموحاتها في اجتذاب السخط الشعبي واستثماره. وانتخابات العشرين من أيلول (سبتمبر) الجاري محكّ أوّل لكي يتأكد إسلاميو الأردن من أنّ لهم في كعكة المجلس النيابي حصة دسمة.
أم تراهم لا يطمحون إلا إلى الحصة الأدسم؟