«انتخابات» إيران وحساباتها
مروان قبلان
تشهد إيران انتخابات رئاسية، تكاد تكون نتائجها محسومة، بعدما «هندسها» مجلس صيانة الدستور الذي استبعد كل المرشحين إلا سبعة، خمسة منهم محافظون، فيما الآخران لا يملكان حظوظا فعلية، ما يجعل التنافس عمليا ضمن البيت الواحد. من المحتمل أيضا أن تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، إذا حصلت انسحابات داخل التيار المحافظ، منعا لتشتت الأصوات، والذهاب إلى جولة ثانية. لكن حتى لو جرت جولة ثانية، تفيد استطلاعات الرأي بأن رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، سيفوز فيها، خصوصا أن المشاركة ستقتصر، في ما يبدو، على الناخبين المحافظين خارج المدن الكبرى. ويتوقع بناء عليه أن تكون نسب المشاركة متدنية، نتيجة حالة اللامبالاة التي يبديها الشارع، كما حصل في انتخابات فبراير 2020 التشريعية، وحصد خلالها المحافظون أغلبية كاسحة في مجلس الشورى (البرلمان).
هذا كله لا يجعل انتخابات الجمعة قليلة الأهمية. على العكس، سوف تشكل هذه الانتخابات، لأسباب عدة، مفصلا مهما في حياة النظام الذي ما زالت تتلبسه حالة الثورة، على الرغم من أنه يحكم الدولة منذ عقود. أولها أن ترتيبها على هذا النحو يوحي أن المرشد الذي يتحكم بكل خيوط العملية، قد بدأ تحضيرات خلافته. ومعروف أن مجلس صيانة الدستور الذي يقوم بعملية فلترة المرشحين، يتكون من 12 عضوا؛ ستة منهم من الفقهاء (رجال الدين)، وهؤلاء يعينهم المرشد مباشرة، والستة الآخرون من الخبراء القانونيين، ويعينهم رئيس السلطة القضائية، الذي يقوم المرشد بدوره بتعيينه. الواضح من طريقة إدارته العملية الانتخابية أن المرشد لا يريد، في هذه المرحلة، أخذ أي مجازفة تسمح بوصول من لا يثق به ثقة كاملة إلى منصب الرئاسة، ولا ينوي، بالتأكيد، تكرار تجربة 2009 التي هزت أركان النظام، قبل أن يسلك مرشحه فيها، أحمدي نجاد، خطا مستقلا، كاد يزعزع النظام برمته. يريد المرشد، هذه المرة، بوضوح وضع رئيسي في منصب رئيس الجمهورية، وقد كان مرشحه المفضل عام 2017، لكن الشعبية التي كان ما زال يحظى بها حسن روحاني في الشارع غلبت عليه، فعوضه خامنئي بوضعه على رأس السلطة القضائية. بانتخاب رئيسي، يكون المعسكر المتشدد داخل النظام قد أحكم السيطرة على فروع السلطة الثلاثة: التشريعية (حيث يسيطر المحافظون – رجال الحرس الثوري – على 221 من مقاعد البرلمان الـ290) والسلطة القضائية، حيث يتجه المرشد إلى تعيين أحد تلامذته في المنصب الذي تركه رئيسي ليصبح رئيسا للجمهورية.
سوف تكون الخطوة التالية، على الأرجح، اختيار خليفة للمرشد نفسه، ويتوقع على نطاق واسع أن يكون ابنه، مجتبى خامنئي. وسوف يتم ذلك من خلال مجلس خبراء القيادة الذي يضم 88 «مجتهدا» في عضويته. ولما كان مجلس صيانة الدستور هو الذي يختار أيضا المرشحين لانتخابات مجلس القيادة (آخر انتخابات جرت عام 2016)، فمن الأرجح ألا يواجه أي قرار يتخذه المرشد معارضة مهمة داخل المجلس. وكان التعديل الدستوري الذي جرى عام 1989 قد ألغى شرط أن يكون المرشد مرجعا دينيا. وعليه، تبدو الطريق مفتوحة أمام مجتبى خامنئي (يملك نفوذا ماليا كبيرا ويحظى أيضا بدعم الحرس والباسيج) ليخلف والده. والسؤال الآن في ما إذا كانت هذه الخطوة سوف تجري في حياة المرشد، أم بعد وفاته.
هنا يأتي دور العامل الخارجي، فالمرشد يعلم أن استمرار الصراع مع واشنطن يمثل الخطر الأكبر على مستقبل نظامه. ولذلك، يريد أن يغتنم فرصة وجود إدارة بايدن، المتحمسة لحل قضية الملف النووي، وإنهاء أحد أبرز مظاهر التوتر مع الولايات المتحدة. وهذا يفسر أيضا تأخر الوصول إلى اتفاق مع واشنطن إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية، على الرغم من حرص إدارة روحاني على بث أجواء تفاؤلية بشأنه، فالمرشد يريد أن يسجل الإنجاز باسم إدارة الرئيس الجديد، ولا يبدو أن واشنطن تمانع في ذلك، طالما أن الاتفاق سيكون مع السلطة الفعلية التي باتت تمسك بكل مفاصل الحكم في النظام. هذه هي حسابات المرشد، وتلك هي حسابات واشنطن، لكن إيران كانت دائما أرض تقلبات ومفاجآت، ونادرا ما كانت الحسابات بشأنها تؤيدها الوقائع، وديمقراطيو إدارة بايدن يعرفون هذا أكثر من غيرهم.