شوف تشوف

الرأي

انتخابات أمريكية من «الرميلات»

يونس جنوحي

أنظار العالم كله متجهة إلى أمريكا. وكما علّق أحدهم هناك ساخرا: الخبر ليس هو فوز «جو بايدن» بالانتخابات، بل الخبر هو خسارة «ترامب»!
فعلا، خسارة ترامب أصبحت هي الخبر، و«التريندينغ» في البرامج الموازية لكبريات القنوات الواسعة الانتشار عبر العالم.
وربما يكون رئيس أمريكا الجديد أقل الرؤساء حظا في الاحتفال بوصولهم إلى البيت الأبيض، لأن الناس تركوه وذهبوا وراء تتبع أخبار «ترامب» والسخرية من الطريقة التي يفترض أن يغادر بها القصر البيضاوي، وهناك من يراهن على أن ترامب سوف يدخل التاريخ بلا شك لأنه سيبقى أكثر رئيس أمريكي مثير للجدل في تاريخ الولايات المتحدة.
العالم وانتخابات أمريكا.. علاقة غير عادية. مصير الدول ومستقبل الشعوب، وأحيانا أمنها الغذائي والمالي قبل العسكري، مرتبطة أساسا بالانتخابات الأمريكية.
مضى زمن كانت مدينة طنجة حاضرة في الانتخابات الأمريكية. يتعلق الأمر بالسنة التي اختطف فيها الثري الأمريكي «بيرديكاريس» وزوجته في طنجة من قبل الريسولي، وتدخل الأمريكيون لإطلاق سراح المواطن الأمريكي، ذي الأصول اليونانية، الذي اختار الاستقرار في طنجة مدى الحياة.
وقعت الحادثة سنة 1904، وأشار إليها عدد من كُتاب التاريخ والباحثين عن «الإثارة». لكن أهم من تحدث عن أزمة اختطاف رجل الأعمال «بيرديكاريس»، الذي استهوته السياسة أيضا، يبقى هو القنصل الأمريكي في طنجة سنة 1908 السيد هولت. هذا الأخير الذي كتب مذكرات «لاذعة» عن المغرب ذكر فيها كل مغامراته في مدينة طنجة وعن صداقاته مع مسؤولين مغاربة كبار، بمن فيهم المولى عبد العزيز ثم أخيه من بعده بعد تخليهم عن السلطة، وصولا إلى مُدمن مغربي على الخمر كان أيضا من أصدقاء السفير!
وحسب إفادة السيد «هولت» فإن قصة بيرديكاريس سنة 1904، وواقعة اختطافه من طرف الريسولي بعد أن بنى قصرا لزوجته في منطقة الرميلات، مطلا على البحر المتوسط، حاول سياسيون أمريكيون استغلالها في الانتخابات الأمريكية لمنافسة الرئيس الأمريكي وقتها «تيودور روزفلت».
كتبت الصحافة الأمريكية وقتها: «بيرديكاريس حيا أو الريسولي ميتا». ناقلين تصريح الرئيس الأمريكي الذي كان يقترب من موعد الانتخابات الأمريكية. منافسوه أرادوا الركوب على الحادث، وهناك من روج إلى أن بيرديكاريس كان يريد أن يلعب دورا ما في تلك الانتخابات للتأثير على الرأي العام الأمريكي وحشد المصوتين المطالبين بإطلاق سراحه لكي يصوتوا على السياسي المفترض أن يساهم في حل مشكلة اختطاف بيرديكاريس وزوجته.
وهناك من شكك في الواقعة من هذا الباب، إذ إن الريسولي كانت لديه علاقة طيبة مع بيرديكاريس الذي كان قد جمع ثروة هائلة في ذلك التاريخ، واختار الاستقرار نهائيا في طنجة، لكنه كان على اتصال بمسؤولين عسكريين وسياسيين أمريكيين مرموقين كانوا كلما توقفوا ببوارجهم العسكرية في البحر المتوسط، ينزلون ضيوفا عنده قبل مواصلة طريقهم إلى واشنطن. ولا بد أن سقف صالة ما في قصر الرميلات قد احتضنت اجتماعا سريا للخروج بتلك الخطة.
وهناك من شكك، خصوصا البريطانيون، في أن يكون الريسولي، رغم حاجته الماسة إلى المال، قد لجأ فعلا إلى اختطاف «بيرديكاريس» لكي يطالب الأمريكيين بفدية. فلو كان يريد المال لمنحه له هذا الثري الأمريكي دون أن يرتكب حماقة تسميم العلاقات المغربية- الأمريكية.
جاءت بارجة بحرية من واشنطن مزودة بالمدافع ورست على شاطئ مدينة طنجة. التُقطت لها صورة تاريخية ونُشرت في الصحف الأوربية. أمريكا سوف تضرب المغرب عسكريا لإطلاق سراح أحد مواطنيها المختطفين.
ارتفعت شعبية صانعي القرار، ومرت الانتخابات ليُطلق سراح «بيرديكاريس» الذي بقي في الفيلا الفخمة يتأمل البحر الأبيض المتوسط بزرقته «المستفزة» إلى أن توفي هادئا مع زوجته التي ساهمت قصة اختطافهما معا في طنجة في صناعة الانتخابات الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى