امرأة لا تجيد الاحتراق
منتصف الليل..
غارقة في الأمنيات المحنطة.. أبحث عن بداية جديدة خالية من تعقيدات الأمل..
منتصف الليل.. الثانية عشرة وسبع دقائق..
أغنية باهتة منذ زمن تعبر ذاكرتي.. وتخطف معها حلمي الصغير الذي لم يفطم بعد..
بعد منتصف الليل.. حيث أنت..
لا أعد الدقائق.. ولا ترهقني حين أكتبها في هذا البياض.. الآن.. الأمنيات بيضاء والأغنيات تعبر سريعا.. وأنا لم أخيب ظنك.. تعرف أن حروفي لك.. وكل قلادة وهبتها للحسن تنتظرك.. وتعرف أن الطريق ما عادت واحدة.. وأن المصابيح تسرق الضياء خلسة.. وتعرف أني في العتمة أراقب ضحكتك.. وأن خدرها لا علاج له.. وتعرف أني أعرف أنك تحبني.. وتعرف.. وتعرف.. ويبقى البياض فاغرا دونك..
منتصف الليل.. الثانية عشرة.. ونصف..
يقتحم الشوق أبوابي الخلفية التي يباغتني منها كلما جذب الليل نجومه.. هل تعلم أنك صرت أغنيات الغربة لي وللنبض الذي هاجر لأجلك؟
وأني ما عدت أقدر أن أقول أحبك حتى لا يصيبك الصمم وتظل حروفي بعدك خرساء..
وما عدت أرغب في ابتسامتي إن لم تكن لك.. ولا في النوم إن لم تربكه كل صباح بسؤالك الذكي حدّ اللذة «هل كنت نائمة؟!»
لا.. لست نائمة..! أنا في داخلك فقط.. اختلط نبضي بدمك.. أشاكس روحك وقلبك وعقلك وهاتفك ويدك..
بعد منتصف الليل.. بساعة..
تسكنني الدهشة.. وبقايا صوتك الغارق في وجع الاشتهاء.. يجمعنا الحزن وابتسامة سحيقة كالتاريخ.. نصمت.. ثم أحاول التحدث لكنه المطر يا أنا.. يسكتني.. ثم تستجمع روحك وتحدثني عن الصغار والليالي الثقافية والجنة..
تصغي بعمق نجمة لأنفاسي.. فنصمت معا.. لأن النجمة لا تستحي حين تعشق فتضيء.. وأنا وأنت نخشى الضياء .. نخشى أن تلتقي عيناك بعينيّ فتصير بلا بياض.. ونخشى أن نمتزج ببعض حد التوحد حين نلمح ذاك الوميض في السواد..
قاسية غربتنا هذه.. تبعدك عني.. عن تموجات فرحي.. وعن الدفء الذي يتقاسم معنا الضحكات.. قاسية كل هذه المدن حين لا تمررنا إلينا.. وحين تبتلع فرح المطر..
منتصف الفجر..
لا أبجدية ولا رهانات لديّ هذه اللحظة.. نبضي هو نبضي.. وروحي هي روحي.. وشيطاني أخرس لا يسربّ الطيش إليّ..
أحاول أن أكون ملاكاً أو حارس عمارة.. يعرف الجميع ولا يعرفه أحد.. أفكر في تفتيش ملفاتي القديمة..
أحاول استدراج غيمة لوسادتي.. أحاول منح نفسي قبلة أستحقها.. وألون المرايا.. كل المرايا بي..
نعم مجنونة حين يلتمع في ذهنكم سؤال عما أقول.. وعن جدواه..
لكن.. خذوا الحرف من امرأة لا تجيد الاحتراق: «إن لم تحبوا أنفسكم فلن يحبكم أحد..».