حمزة أيت بادة باحث في العلوم القانونية
يلعب القضاء دورا اقتصاديا واجتماعيا، يتجلى في حماية مختلف المصالح المرتبطة بالمقاولة التي تعترضها صعوبات، ومنها تدخل القضاء لحماية دور الأجراء، سواء أثناء تحريك المسطرة أو خلال عملية تشخيص ومعالجة مكامن الخلل الذي تعاني منه المقاولة، وهذا ما سنحاوله تبيانه من خلال استعراض بعض الحالات العملية.
وإذا كان المشرع المغربي قد جاء بفلسفة جديدة من خلال نظام صعوبات المقاولة، توخى من خلالها حماية المصالح الموجودة في المقاولة بمن فيها الأجراء، فإن الإشكال الذي يطرح نفسه هو إلى أي حد استطاع القضاء التجاري توفير حماية قضائية للأجراء، في ظل نظام صعوبات المقاولة؟
في الواقع يعالج المشرع مسألة الامتياز من خلال الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود )الأجور والتعويضات عن العطل المستحقة، بسبب الإخلال بوجوب الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية والتعويضات المستحقة إما عن الفسخ التعسفي لعقد إجارة الخدمات، وإما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة…( فمن خلال هذا الفصل إذن، كان المشرع المغربي يعتبر الأجر من الديون الممتازة التي لها الأولوية في الاستيفاء على باقي الدائنين، وبذلك يكون المشرع قد حد من دائني المشغل من مزاحمة الأجير، في حالة إعسار المشغل أو دخوله في مرحلة التصفية القضائية، اعتمادا على الامتياز العام المنصوص عليه في الفصل 1248 سالف الذكر.
غير أن هذا الامتياز لم يكن يحقق حماية حقيقة لديون الأجراء، في حال خضوع المشغل لنظام المساطر الجماعية، وذلك «بالنظر إلى طبيعته، لكونه يرد على المنقولات دون العقارات، ويشمل فقط الأجور وتعويضات الفصل الفجائي دون باقي التعويضات الاجتماعية التي لها درجات أخرى، وإلى درجته ثانيا، ونطاقه الزمني ثالثا»، الذي يتحدد في الستة أشهر السابقة على وفاة المشغل أو «إفلاسه» أو توزيع أمواله، كما أنه يتعطل بحقوق الامتياز الخاصة الواردة على المنقول، وكذا حقوق الامتياز السابقة عليه من حيث الرتبة. ولتجاوز هذا النقص في الحماية، تدخل المشرع بمقتضى المادة 382 من مدونة الشغل، بتمتيعه للأجراء بامتياز الرتبة الأولى، خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود، وترتيبا على ذلك يمكن للقاضي المنتدب إصدار أمر بتسليم الحصة غير القابلة للحجز إلى الأجراء، وهذا الامتياز يشمل الأجر بمفهومه الواسع الذي يشمل جميع المستحقات والتعويضات الواجب منحها لهم، بل إنه وخلافا لقاعدة منع أداء الديون السابقة، يمكن للقاضي المنتدب عملا بمقتضيات المادة 629 مدونة التجارة أن يأمر بأداء مسبق لقسط من ديون الأجراء، حسبما سارت عليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ 16 نونبر2007، بل الأدهى من ذلك أن المسألة تدق كثيرا عندما تجد المحكمة نفسها مدعوة لحفظ التوازن بين مختلف مصالح الأطراف، وهي حالة تعارض قوانين خاصة تصب في المصلحة الاجتماعية للأجراء. وفي نازلة عرضت على القضاء المغربي، تفيد وقائعها أنه بناء على مشروع التوزيع المعد من طرف السنديك، والذي جاء فيه أن منتوج بيع باخرة هو 8.800.00 درهم وأن عملية التوزيع نجم عنها عدم كفاية المبالغ، لسداد ديون بعض الدائنين الذين لم يستفيدوا من عملية التوزيع المذكورة. وقد تم إثارة سوء التطبيق لمقتضيات الفصل 77 من القانون البحري، المادة 3 و382 من مدونة الشغل يستفيد الأجراء خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود من امتياز الرتبة الأولى المقررة في الفصل المذكور، قصد استيفاء ما لهم من أجور وتعويضات الناجمة عن الفصل من الشغل لها نفس الرتبة والامتياز في ذمة المشغل من جميع منقولاته، وأن السفينة تعتبر منقولا، مما يكون معه الفصل الواجب التطبيق هو 77 من مدونة التجارة البحرية. هذا ما تبناه أمر القاضي المنتدب، حيث اعتبر أن تمسك الأجراء بأحقيتهم في استخلاص ديونهم الاجتماعية المقبولة بالأولوية امتياز الرتبة الأولى بصريح الفصلين 3 و382 من مدونة الشغل، والحال أن لما كانت صوائر جر السفينة 2.470.208.51 درهما ترتبت بتاريخ لاحق عن تاريخ فتح المسطرة الجماعية في حق الشركة المعنية، ومن ثم عن ديونه الاجتماعية .هذا الموقف الذي تبنته المحكمة يبقى صائبا، لأن القانون وحده يبقى المصدر لحق الامتياز، وكان لا يقرر أي امتياز لدين إلا بنص قانوني، واعتبارا لذلك فالمبالغ المستحقة لا يكون لها امتياز، إلا إذا وجدت قوانين تقضي بها من حيث الرتبة وعلى نطاق محل الامتياز المنصوص عليه في تلك القوانين، وعلاوة عن كون ديون الوكالة الوطنية للموانئ هي ممتازة تبعا للمادة 77 من مدونة التجارة البحرية، أيضا مصاريف جر السفينة تتمتع طبقا للمادة 575 بحق الأسبقية، لكون فعلها المنشئ الذي هو الجر صادف زمن يرجع لما بعد تاريخ فتح المسطرة الجماعية في حق الشركة.