تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نظمت وزارة الصناعة والتجارة والاتحاد العام لمقاولات المغرب، بتاريخ 16 أكتوبر الجاري، ببنجرير، الدورة الثانية لليوم الوطني للصناعة، تحت شعار «تدشين عهد صناعي جديد يرتكز على السيادة، رؤية ملكية في خدمة المواطن والجهات». وترأس هذا الحدث، الذي أصبح موعدا هاماً للصناعة، عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، بحضور كل من محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، ورياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، وشكيب العلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وأحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وفريد شوراق والي جهة مراكش آسفي وعامل عمالة مراكش.
لمياء جباري
الهدف المتوخى من تنظيم اليوم الوطني للصناعة هو تدارس الرهانات الجديدة ذات الصلة بتنمية القطاع الصناعي المدعو أكثر من أي وقت مضى إلى استغلال جميع مؤهلاته، طبقا للتوجيهات الملكية السامية التي تتطلع إلى تسريع انبثاق عهد صناعي جديد يرتكز على السيادة لتعزيز مرونة وقدرة القطاع على التأقلم ودعم قدرته التنافسية. وأجمع كافة المتدخلين على الأداء المتميز الذي سجلته الصناعة، تحت قيادة الملك محمد السادس، وعلى دورها الاستراتيجي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة كمحفز بامتياز للصادرات (88 في المائة من صادرات المملكة كانت سنة 2023 منتوجات مصنعة) وعلى مستوى الاستثمار المنتج (الموفر الأول للاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب).
استثمارات في التكنولوجيات المتطورة
سلط المتدخلون في جلسة نقاش الضوء على المقاربات اللازمة لتحقيق اندماج أعمق وارتقاء نوعي بالمنظومات الصناعية المغربية. وشكلت جلسة النقاش فرصة، بالنسبة للفاعلين الرئيسيين في هذه المنظومات الصناعية، لمناقشة الجهود المبذولة من أجل ترسيخ موقع المغرب باعتباره قطبا صناعيا، فضلا عن ضمان تحسين القدرة التنافسية على الصعيد الدولي من خلال اندماج أعمق في سلاسل القيمة.
وفي هذا السياق، أكدت نائبة رئيس الفدرالية المغربية لصناعة الأدوية والابتكار الصيدلي، لمياء التازي، على أن الارتقاء النوعي لقطاع الصناعات الصيدلانية أمر ضروري للاستجابة للمعايير الدولية الأكثر صرامة، مما يستدعي استثمارات متواصلة في التكنولوجيات المتطورة. وأوردت التازي أن الابتكار يعد أيضا ركيزة أساسية، على الرغم من أن البحث الأساسي يبقى مكلفا، إلا أن البحث التطبيقي وتطوير الأدوية يوفران فرصا واعدة، خاصة عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص بغية تعزيز التنافسية. وفي المقابل، لفتت التازي الانتباه إلى أن اندماج سلاسل الإنتاج في مراحلها المبكرة، سيما في تصنيع المواد الأولية، يظل تحديا رئيسيا، مضيفة أن المغرب يمتلك الخبرات اللازمة لتطوير صناعة كيميائية وصيدلانية، لكن ذلك يتطلب مشاريع كبرى مماثلة لتلك المنجزة في قطاعي الطيران والسيارات.
من جهته، أوضح رئيس مجموعة المغرب للصناعة، محمد بشيري، أن تعزيز الاندماج المحلي للموردين عامل ضروري لضمان تنافسية الصناعة المغربية للسيارات. وأوصى بشيري، في هذا الصدد، بضمان تنافسية القطع المصنعة في المغرب من أجل الحفاظ على موقع البلاد في الأسواق الدولية، مستشهدا بالأسلاك التي توفر الربط اللازم لصناعة السيارات، حيث تبذل جهود لتعزيز تنافسيتها من خلال الاندماج المحلي لمورديها. واعتبر بشيري أن المغرب يزخر بإمكانات هائلة في الموارد من شأنها التحول محليا لدعم الصناعات الرئيسية مثل السيارات. وبالموازاة مع ذلك، شدد بشيري على أن الاستدامة الصناعية تعد جانبا حيويا لتطوير المنظومة الصناعية المغربية، داعيا إلى خلق نظام لتدبير النفايات الصناعية من شأنه المساهمة في خلق فرص شغل وتشجيع الابتكار.
من جانبه، قال نائب رئيس تجمع الصناعات المغربية للطيران والفضاء، سعيد بن حجو، إن المغرب شهد خلال العقد الأخير تحولا ملحوظا في قطاع الطيران، حيث انتقل من موقع هامشي إلى فاعل رئيسي على الساحة العالمية.
وأبرز بن حجو أن هذا النجاح يعتمد على عدة عوامل، سيما تنافسية البلد، وخبراته والجهود المتواصلة التي تبذلها الدولة لدعم هذا القطاع، خاصة من خلال إنشاء مناطق صناعية متخصصة، مشيرا إلى أن المغرب، المعروف بخبراته في هذا المجال، يواجه تحديا رئيسيا يتمثل في استقرار معدل الاندماج عند 42 في المائة منذ عدة سنوات. وأكد بن حجو أن «تجاوز هذا المستوى يتطلب مزيدا من الطاقة والابتكار، نظرا لأن التمكن من تحقيق 42 في المائة من الاندماج استلزم جهودا كبيرة، والتقدم بشكل أكبر سيتطلب مضاعفة هذه الجهود مرتين أو ثلاث»، داعيا إلى مواكبة هذا الزخم بالتفكير في الابتكار في التكنولوجيا وأساليب التكوين.
التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات
تم، على هامش الدورة الثانية لليوم الوطني للصناعة، التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات تروم تعزيز الاندماج الصناعي المحلي بعدد من القطاعات، ويتعلق الأمر باتفاقية ثلاثية الأطراف وقعها كل من وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، والمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، طارق حمان، ورئيس الفدرالية الوطنية للكهرباء والإلكترونيات والطاقات المتجددة، علي الحارثي، تروم استبدال 50 في المائة من المنتجات المستوردة في قطاع الكهرباء بالإنتاج المحلي. وتهدف هذه الاتفاقية، كذلك، إلى تعزيز تنافسية المقاولات المغربية للولوج إلى الطلب العمومي. وستدخل هذه المبادرة، المندرجة في إطار التنمية المستدامة، حيز التنفيذ بأثر فوري وستمتد إلى غاية دجنبر 2030.
وتتوخى الاتفاقية الثانية، التي وقعها، بالإضافة إلى الحارثي، كل من رئيس فدرالية الصناعة الجلدية بالمغرب، عز الدين جطو، ورئيس الجمعية المغربية لصناعة وتركيب السيارات، عادل الزيدي، ورئيس فدرالية الكيمياء وشبه الكيمياء، عابد شكار، تعزيز الإنتاج المحلي للكابلات والمعدات الإلكترونية مع دمج مواد أساسية مثل الجلد في قطاع السيارات. ووقع الاتفاقية الثالثة، المتعلقة بالاندماج الصناعي في مجال الهندسة الميكانيكية، كل من رئيس فدرالية الصناعات المعدنية والميكانيكية والكهروميكانيكية، عبد الحميد الصويري، ورئيس الجامعة المغربية لصناعة البلاستيك، هشام الحيد، فضلا عن الزيدي وشكار. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين القطاعات المعنية لدعم استخدام الحلول المحلية في الصناعة الميكانيكية، من أجل تحفيز الابتكار والتقليل من الاعتماد على المواد المستوردة.
وتروم الاتفاقية الرابعة، التي وقعها إلى جانب الحيد وشكار، نائبة رئيس الفدرالية المغربية لصناعة الأدوية والابتكار الصيدلي، لمياء التازي، ورئيس فدرالية الصناعات الخشبية وفنون التصميم والتغليف، منير الباري، تعزيز تكامل المنتجات الصيدلانية، مع تعزيز الإنتاج المحلي والتنافسية في الصناعة الصيدلانية من خلال تشجيع إدماج مواد التغليف المصنعة محليا، مما سيساهم في السيادة الصناعية للمملكة.
وتتعلق الاتفاقية الخامسة، التي وقعها رئيس فدرالية الصناعات المعدنية والميكانيكية والكهروميكانيكية، عبد الحميد الصويري، ورئيس الجمعية المغربية لصناعة وتركيب السيارات، عادل الزيدي، ورئيس فدرالية الصناعات المعدنية، محمد الشراط، بإدماج المواد المحلية في قطاع السيارات، وتسعى إلى زيادة استخدام المواد المنتجة محليا في هذا القطاع، وبالتالي التقليل من الاعتماد على الواردات وتشجيع التعاون بين الموردين المحليين ومصنعي السيارات، كما تروم تعزيز سلسلة القيمة ودعم تنافسية قطاع السيارات المغربي.
الارتقاء بقطاعي السيارات والطيران
دعا رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضى الشامي، إلى مواصلة ارتقاء المغرب تكنولوجيا بقطاعات رئيسية، من قبيل السيارات والطيران. وأوضح الشامي أن «الانتقال إلى إنتاج مكونات معقدة ذات قيمة مضافة عالية أمر في غاية الأهمية»، مشددا على ضرورة اغتنام الفرص المتاحة للمغرب حتى يتمكن من إحراز تقدم أكبر نحو بناء صناعة قوية ومرنة ومستدامة. وأبرز الشامي أن اعتماد التكنولوجيا المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات، أمر ضروري لمواءمة الصناعة الوطنية مع المعايير الدولية وتعزيز تنافسية المنتجات المغربية، وتابع بالقول «إلى جانب القطاعات التقليدية، على المغرب استكشاف القطاعات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي والقطاعات الإبداعية والصيدلانية والاقتصاد الأخضر. كما يتعين إعطاء الأولوية لتنمية صناعات بديلة للواردات، سيما في قطاعات حيوية كالمعدات الطبية».
وبالموازاة مع ذلك، أوصى الشامي بتعزيز إدماج المقاولات الصغرى والمتوسطة ضمن سلاسل القيمة العالمية، من خلال الاستفادة من توجهات إعادة توطين الصناعات وتقريبها جغرافيا (reshoring وnearshoring)، مشيرا إلى أن المغرب، ببنيته التحتية الحديثة (ميناء طنجة المتوسط)، وتكاليفه التنافسية وقربه الجغرافي من أوروبا، يحظى بموقع مثالي لاستقطاب هذه التدفقات الاستثمارية. وذكر الشامي أيضا بأن الانتقال الطاقي يمثل فرصة هائلة للمملكة من أجل اتخاذ مكانة ريادية إقليميا في الصناعة الخضراء، معتبرا أن إزالة الكربون من الصناعة، خاصة في القطاعات المستهلكة للطاقة، تعد ركيزة استراتيجية لتعزيز التنافسية على الصعيد الدولي وجذب الاستثمارات الخضراء، معتبرا أن تنمية قطاعات صناعية مستدامة، تدعمها الحوافز العامة والخاصة، أمر ضروري ليصبح المغرب مرجعا في مجال الاقتصاد الدائري والتكنولوجيا النظيفة.
وأوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن جميع هذه الفرص تستدعي استثمارات يجب أن تتأتى بشكل رئيسي من المقاولات الخاصة المغربية (المقاولات الصغرى والمتوسطة والمجموعات الكبرى)، إلى جانب الشركات متعددة الجنسيات أو المشاريع المشتركة.
ومن جهة أخرى، سلط الشامي الضوء على التقدم الكبير المحرز في مجال تمويل المقاولات، وتطوير البنية التحتية الصناعية ودعم ريادة الأعمال وتحسين بيئتها، مسجلا أن هذه الجهود تتواصل وتتكثف، سيما من خلال دخول ميثاق الاستثمار الجديد حيز التنفيذ، والإحداث التدريجي لصندوق محمد السادس للاستثمار. وفي المقابل، أورد الشامي أن هناك عددا من التحديات التي لا تزال بحاجة إلى رفعها، مستحضرا تأمين المبادرة الريادية عبر رفع الحواجز التنظيمية والإدارية، وتحقيق قدرة تنافسية، وتنمية الرأسمال البشري وتعزيز قدرة المغرب على الابتكار، فضلا عن خلق تضافر ناجع بين المقاولات الصناعية الكبرى، التي غالبا ما تكون متعددة الجنسيات ومتقدمة تكنولوجيا، والنسيج المحلي المكون من المقاولات الصغرى والمتوسطة.