حسن البصري
يوم الأحد الماضي احتفل العالم بيوم السعادة في غفلة من الجميع، في العشرين من مارس من كل عام تجس الشعوب نبض السعادة في دواخلها، بعد أن قررت الأمم المتحدة حجز يوم في العام لقياس منسوب الرفاهية في نفوس الأفراد والشعوب.
يبدو الاحتفال بيوم السعادة أمرا مستفزا في ظل الاقتتال الدائر حولنا وانتشار بؤر الشقاء في العالم، وأعطاب التنمية المستدامة، واستقالة القيم وانسحابها التدرجي من منظومة التربية، لكن السعادة لا تزورنا حتما في العشرين من مارس، فهي كنسمة هواء في يوم مختنق تداهمنا دون سابق إشعار.
في ظل النزاع الدائر بين الشعوب، بات البحث عن مؤشرات الحياة الفضلى للناس ضربا من الخيال، فقد ولى زمن المدينة الفاضلة التي كان يرفل قاطنوها في ثوب سعادة افتراضية، لا وجود لها إلا في مخيلة الفلاسفة.
لا يهتم الناس باليوم العالمي للسعادة، يعتبرونه يوما مستفزا يزيد أحيانا من مواجعهم، لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم يصر على الاحتفال بهذا اليوم بطريقته الخاصة، إذ يعمد إلى وضع صور لاعبين منتشين بهستيريا تسجيل الأهداف الحاسمة، رغم أن مجرد توقيع عقد لفريق عالمي هو في حد ذاته سعادة لا تضاهيها سعادة.
بعض الأندية لا تعترف باليوم العالمي للسعادة كما سنته الأمم المتحدة، وتضع لنفسها يوما آخر للسعادة غالبا ما يؤرخ لفوز تاريخي على غريم تقليدي، ضاربة عرض الحائط رزنامة «الفيفا» والأمم «غير» المتحدة. بينما يصر أنصار الريال و«البارصا» على ربط السعادة بـ«كلاسيكو» إسبانيا الكروي، فهو مبعث السعادة والانتشاء عند الفائز، ومصدر قلق واكتئاب عند المنهزم. لهذا أرخت هذه المباراة الكروية بظلالها على شعوب تستورد السعادة الكروية من وراء الحدود، رغم أن السعادة لا تستورد بل تولد من داخلنا.
لقد حمل بعض مدربي المنتخبات لقب «وزراء السعادة»، نظرا لمنسوب الحبور الذي يلف شعوبا تجد في انتصارات منتخباتها حقنة سعادة، لكن لا أحد من الوزراء يبقى في منصبه إلى الأبد، فالإقالة تبطل السعادة وتجلب التعاسة، وتجعل المسؤول في الشقاوة ينعم.
ولأن منصب وزير يحمل شحنة الرفاهية لصاحبه، فقد اقترن اسم المسؤول الحكومي بـ«سعادة»، قبل أن تلغي مذكرة وزارية هذا الارتباط وتتحول «سعادة» إلى «معالي»، ثم ينسحبان سويا من قاموس التبجيل، دون مبرر.
لكن إذا كانت انتصارات منتخبات الكرة تصنع السعادة وتصنف المدربين في خانة وزراء السعادة، فلماذا تتأخر الدول المصنفة في المراتب الأولى كرويا عن تصنيف السعادة العالمي؟ حيث تحتل دولة «باهتة» كرويا (فنلندا) قمة ترتيب السعادة العالمي، في الوقت الذي ترضى الدول المتصارعة على الريادة الكروية، بمراتب وسطى في تصنيف السعادة.
وللتنافس على مكانة متقدمة في ترتيب الرفاه العالمي، قامت بعض الدول بإحداث حقيبة وزير السعادة، واختارت بعناية الشخص المناسب لهذا المنصب، وكلفته بنشر السعادة في أنحاء الوطن ومكافحة البؤس ورسم البسمة على الشفاه.
إلا أن الأمم المتحدة طوقت عن قصد «اليوم العالمي للسعادة» وجعلته متبوعا بمناسبات أخرى، ففي اليوم الموالي (21 مارس) تتزاحم الأيام العالمية والوطنية، فيحتفل العرب بعيد الأم، وفي اليوم نفسه يحتفل العالم بذكرى القضاء على الميز العنصري، ويوم الشجرة ويوم الثلاثي الصبغي ويوم الشعر والشعراء، فيختلط الشعر بالإعاقة الذهنية، وتتيه الأمومة بين التمييز العنصري والغابة وفيض الحنان، فتتعطل بوصلة الاحتفال.
أمام اختناق الحياة والصراع اليومي من أجل الإفلات من النزول إلى قسم الهشاشة، لم تبق في ذاكرتنا من «السعادة»، إلا سينما مغلقة في الحي المحمدي، كانت يوما فضاء لتوزيع حقن الفرح والانتشاء، ولو على أنغام «مهمومة أخيي مهمومة هاذ الدنيا مهمومة».
دمتم سعداء.
زر الذهاب إلى الأعلى