شوف تشوف

الرأي

اليوتوب في حديقة الحيوان

سعيد الباز
احتل اليوتوب مساحة مهمة في العالم الافتراضي للإنترنيت، وصار تداول الملايين من أفلام الفيديو تحت مسميات عدة داخل الموقع نفسه أو مواقع أخرى للتواصل الاجتماعي. لقد سمح هذا الموقع لأعداد هائلة من البشر عبر العالم بأن يخلقوا لأنفسهم قنوات خاصة يبثون فيها أفلامهم المصورة من أجل الحصول على نقرات الإعجاب ومشتركين في القناة طمعا في عائد مادي مرتبط هو الآخر بعدد المشاهدات أو المشتركين أو نقرات الإعجاب. إنه عالم عجيب هذا الذي يحدث أمام أعيننا، فقبل عقدين من الزمن، كان بالإمكان اعتباره ضربا من الخيال العلمي. لكن الحقيقة الماثلة أمامنا، اليوم، هي أن شكلا من التواصل الإعلامي قد شق طريقه في أرض الواقع بكل ما يحمله بداخله من سلبيات وإيجابيات.
من أهم ما تمكن ملاحظته أنه ذو صبغة فردية في العموم مع بعض الاستثناءات القليلة، إضافة إلى اعتماده على التكنولوجيا الحديثة في التصوير وتسجيل الصوت لإنتاج أفلام فيديو قصيرة يتوخى أصحابها أن تكون مثيرة وجذابة للمشاهد.
انطلقت البدايات الأولى لليوتوب بدائية على مستوى الشكل الفني من حيث الصورة والصوت وبناء المشاهد، ثم سرعان ما أخذت تشهد تطورا متزايدا ووضع قواعد خاصة أصبحت مع قوة المنافسة تتنوع هي الأخرى لكنها ظلت مع كل ذلك تستهدف غاية وحيدة هي الزيادة في عدد المشاهدات والمشتركين للرفع من الإيرادات. إذا ما أردنا أن نعود إلى حكاية اليوتوب ونشأته الأولى، سنجد أنفسنا أمام مغامرة شبان ثلاثة من أصول مختلفة: الأول هو ستفين تشين من التايوان هاجر مع عائلته إلى أمريكا حيث أتم دراسته، الثاني أمريكي هو تشاد ميريديث هيرلي، والأخير جواد كريم من أصول بنغالية، ولد في ألمانيا وهاجرت أسرته إلى أمريكا حيث أكمل دراسته. كان هؤلاء الشبان الثلاثة يعملون موظفين في الشركة الأمريكية العملاقة (باي بال) ما يجمعهم هو تخصصهم في علوم الحاسوب وولعهم الشديد بالابتكار وخلق تطبيقات معلوماتية جديدة. فكان أن أطلق الثلاثة، ولأول مرة، سنة 2005 موقعا لمشاهدة أفلام الفيديو تحت مسمى اليوتوب.
الانتشار الواسع لهذا الموقع دفع الشركات الكبرى والرائدة في هذا المجال، مثل شركة غوغل، إلى أن تشتري منهم الموقع بصفقة فاقت المليار دولار ليدخل دائرة أوسع في الانتشار على المستوى العالمي. مع ذلك، عرف اليوتوب وجوها مشرقة حاولت أن تقدم مادة معرفية متنوعة توخى فيها أصحابها الدقة في المصادر واختيار شكل فني في التقديم ما أكسبها النجاح والتقدير، خاصة لمن كان مشهودا له بالمعرفة في مجال اختصاصه. لكن طوفان الرداءة ما لبث أن عم فضاء اليوتوب بسبب عدم وجود ضوابط أو قيود في نشر أعمالهم، إذ المحدد، كما هو معلوم، في هذا المضمار أن النجاح مشروط فقط بعدد المشاهدات والمشتركين.
وهكذا شاهدنا على المستوى المغربي زحفا هائلا لفيديوهات تتعمد الرداءة وتخلق شخصيات ترفعها إلى مصاف النجوم يتم تداولها على نطاق واسع تحت مسميات عدة خالية من أي معنى تبلغ حد التفاهة. في الوقت نفسه دخل اليوتوب إلى البيوت والنزاعات العائلية التي يتراشق أصحابها الفضائح مثل أي عراك للديكة تحت أعين كافة الناس، ما يجعلنا نتساءل أحيانا إلى أين يتجه مجتمعنا بتكنولوجيا التواصل التي سقطت بين يديه مثل هبة من السماء؟ أخيرا ينبغي أن نقر بأن اليوتوب قد يقارب أحيانا حدود النصب والاحتيال أو انتهاك حرمة الأشخاص وحياتهم الخاصة. يقال إن أول فيديو يوتوب كان من إنجاز أحد مؤسسيه جواد كريم تحت عنوان «أنا في حديقة الحيوان» وهو بالفعل مجرد تصوير زيارة لحديقة الحيوان، هل كان يتنبأ بأن اليوتوب سيتحول، مع مرور الأيام، إلى حديقة حيوان حقيقية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى