اليمين الفرنسي المتطرف والبذلة الجديدة
جمال أكاديري
في الأوساط السياسية الغربية (والمتطرفون اليمينيون بفرنسا استوعبوا جيدا قواعد هذه اللعبة الحربائية)، يحتاج أي مرشح لمناصب السلطة إلى إيجاد شعار سياسي جذاب. لأن أي مرشح يريد إثبات أحقيته برئاسة السلطة السياسية، لا يمكنه الاستغناء عن الإمكانيات الإشهارية الحديثة، ليتمكن من صياغة هذا الادعاء، بشروط المستوى المرئي الرقمي، الأكثر تطلبا وانتشارا.
ولأن الكثير، مما شهدته الحملات الانتخابية الأمريكية في السنوات الأخيرة، ترك أثره على الحملات الانتخابية بأوروبا، فقد أصبحت الحملات السياسية متشعبة، واحترافية، وأكثر استهدافا لفئات طبقية معينة، وأكثر إبهارا من حيث التصميم.
فعلى طريقة تقليعات العلامات التجارية للشركات العابرة للقارات، تريد الأحزاب اليمينية أن تغير من أسلوبها القديم، ليكون أكثر جاذبية، ليس فقط في ما يتعلق بمحتوى خطابها، بل أيضا في ما يتعلق بالحضور الإعلامي المرئي والرقمي؛ وقد أظهرت بعض التحقيقات الصحفية الدولية أن الأحزاب الشعبوية اليمينية الأوروبية خرجت من قوقعتها المحافظة المتصلبة، وتدربت جيدا على كيفية استخدام الوسائط الرقمية.
وفي تصميم الشعارات السياسية، من الشائع في العصر الرقمي استلهام الرموز المرئية، وأشكال العلامات التجارية الناجحة بالأسواق العالمية؛ بل يتم عند الاضطرار نسخ أكثرها شهرة، وانتحالها بدون تردد. ويساهم الشعار المختصر، واللغة المرئية المميزة، بفعالية وبشكل حاسم، في استراتيجية الاتصال المتبعة، في تنشيط وتحفيز وتعبئة المؤيدين الجدد.
ومن أجل التمكن من خوض الحملة الانتخابية بكل قوة، أرادت مارين لوبين أن تجعل نفسها جذابة ومؤهلة لتجسيد الهالة الرقمية اللائقة، في نظرة الناخبين البورجوازيين الجدد، اللاهثين خلف هوية أصيلة مزعومة. فالموقع الرقمي لحزبها اليميني المتطرف، الذي غيرت اسمه إلى «التجمع الوطني»، يشتغل بجد، ليكون بمثابة نقطة الاتصال المركزية، للحملة الانتخابية بوسائل الإعلام الرقمية، محاولا أن يعطي انطباعا أوليا، عن كيفية إعداد العرض المرئي اللامع للحزب، في الحملة الانتخابية المقبلة، حتى لا نقول الفرجة السياسية.
فهو يستخدم حرف «M -la france» الكبير مع الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي، كشعار للحملة. ومما ينطوي عليه أن زعيمته مارين المتطرفة هي سيدة فرنسا الجديدة. وهكذا تم رفع مارين لوبين، دفعة واحدة، لتمثيل فرنسا كلها!
والأدهى أن الشعار خرج مشابها ومصمما بالكامل، بأسلوب معرف لشعار منصة بث الأفلام الترفيهية «Netflix». فعلى المستوى المرئي، هذا يخلق قربا (مستهدفا وموجها من طرف مهندسي حملة الحزب اليميني) من إحدى العلامات التجارية، لمنصة رقمية، هي الأكثر نجاحا وشعبية على شبكة النت، والمتابعة من طرف فئات شابة يسهل افتتانها بمثل هذه الشعارات.
سعيا، وراء هدف عدم النظر إليه، على أنه حزب يميني متطرف، لا يتردد الحزب في تقليد المنصات الرقمية، لجذب الأصوات، كجزء من حملته الانتخابية الرئاسية، والتي وصفتها لوبين نفسها بأنها اللحظة المصيرية في التاريخ الفرنسي، للحسم في الهوية .
فهذا يدل على أنها قادرة حتى الآن على معاداة المتحدرين من أصول أجنبية، بالشعارات الملغومة، والتحريض بالبلاغة المنمقة، والتواصل بلغة لطيفة (بصرية) وصورة خارجية جذابة، مع تبني نغمة أكثر اعتدالا من أجل زيادة جاذبية الحزب المتطرف.