اليتيمة
ولدت وقاسيت من أجل البقاء، أمي اشتغلت لأجلي في كل شيء لتكفيني شر نوائب الدهر. لازلت أتذكر يوم صادفت سيدة تركب سيارة نقل كبيرة عندما كنت متجهة إلى الجامعة التي درست فيها، تحمل معها رزمة كتب عديدة في كيس بلاستيكي، ولائحة ورقية، تحتوي على أسماء الكتب وأرقامها الاقتصادية (أقصد أثمنتها). بكت المرأة وهي تستعطف كل الراكبين وكنا ستة أفراد، اشتكت من المتطلبات الدراسية ومن تدني المستوى المعرفي لأبنائها، اشتكت من تغير المقررات المستمر والذي يلزمها باقتنائها كل عام دون الاكتفاء بمقررات أبناء العائلة أو الجيران التي يجودون بها عليها وعلى مثيلاتها. فقد أصبحت موضة تغيير المقررات تساهم في تحريك الاقتصاد، إذ تعمل جهات كثيرة لتجهيز مقرر جديد يقال إنه يوازي التطور الحضاري الذي يجب أن يكون جيل اليوم متشبعا به..
الغريب في الأمر فرض مادة الإعلاميات على أبناء القرى الذين لا يعرفون حتى كيف ينير المصباح الكهربائي ليلهم، لا يزال معظمهم ينيرون بالشموع أو القنديل الزيتي، إن لم أقل إنهم يأوون إلى مضاجعهم بعد صلاة العشاء بقليل، ومضامين لدروس تشكل واجهة للخيال العلمي بالنسة لهم. مسحت المرأة دموعها بعدما انتهى ما تحمله في جعبتها من كلام. حينها لمع بريق عيني والدتي مباشرة بذاكرتي، خشيت أن تكون قد بكت يوما بكاء هذه المرأة نفسه، وأنا كنت أضم كراساتي فرحا بها دون علم بما حدث لها لتوفرها لي وتستلم بالمقابل ابتسامتي، كان نجاحي أجمل هدية لها. أتمنى أن ينجح أبناء تلك المرأة ويجلبوا السعادة الأبدية لقلبها وعينيها. قبلت رأسها بعدما وصلنا إلى المنعطف الأخير، وقدمت لها ما يمكن لطالبة حينها تقديمه.