بعد تسعة أشهر عن تقرير للجنة تحقيق أوروبية بخصوص قضية «بيغاسوس» والذي انتهى إلى «عدم وجود أي أدلة تدين المغرب في استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي ضد الدول الأوروبية»، الأمر الذي يؤكد أن جهات معادية للمملكة هي من تقف خلف نشر مثل هذه المزاعم التي سبق وأن فندتها الرباط، جدد تقرير للمخابرات الإسبانية التأكيد على براءة المغرب من ادعاءات التجسس على شخصيات أوروبية.
إعداد: النعمان اليعلاوي
جاءت خلاصات التقرير الإسباني بخصوص اختراق هواتف رئيس الحكومة الإسبانية ومسؤولين سامين إسبان مطابقة لخلاصات التقرير الأوروبي السابق والذي صدر بعدما أجرت اللجنة المشكلة في البرلمان الأوروبي تحقيقا موسعا حول القضية على مدار عام كامل تمت خلاله «زيارة الدول المتضررة من البرنامج التجسسي، وعقد جلسات استماع مطولة مع المتضررين المحتملين، والاستعانة بخبراء في المجال، وإنجاز دراسات متعددة».
ويرى محللون أن النتيجة التي خلص إليها التقرير الإسباني كانت متوقعة، حيث إن جميع المؤشرات كانت تصب في سياق أن القضية مفتعلة لزيادة الضغط على المملكة، وضرب صورتها على الصعيد الدولي، مؤكدين أنه يجب استثمار هذا التقرير من أجل دعم مواقف أصدقاء المغرب في أوروبا وكشف مناورات الخصوم الرامية إلى المساس بصورة المملكة.
تقرير يدحض جميع الشكوك والاتهامات
برأ تقرير للوكالة الإسبانية لمكافحة التجسس، التابعة لرئاسة الحكومة الإسبانية، المغرب من أي اتهام بالتجسس والتدخل في الشؤون الداخلية لإسبانيا، ودحضت الخلاصات التي توصل إليها هذا التقرير بشكل لا لبس فيه، جميع الشكوك والاتهامات التي وُجهت إلى المملكة المغربية بشأن أنشطة التجسس المزعومة التي استهدفت رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، وأيضا كبار المسؤولين الحكوميين الإسبان، باستخدام برنامج «بيغاسوس».
ويأتي تقرير الاستخبارات الإسبانية بعدما كان مسؤولون إسبان كبار سبق لهم نفي هذه الادعاءات في نونبر 2022، وذلك خلال جلسات استماع أمام لجنة برلمانية أوروبية كانت تحقق في استخدام برنامج «بيغاسوس»، كما كانت المحكمة الوطنية الإسبانية قررت في يوليوز 2023، إغلاق قضية «بيغاسوس» لعدم وجود الأدلة.
وشكل غياب اسم المغرب في هذا الفصل «الحساس» من التقرير، مفاجأة كبيرة، حسب وصف متابعين للشأن المغربي الإسباني، ولاسيما أن أغلب اتهامات التجسس المتعلقة بإسبانيا في السنتين الأخيرتين، كانت موجهة بالدرجة الأولى إلى المغرب ثم روسيا، واستغلت العديد من الأحزاب السياسية هذه الاتهامات في خطاباتها المعادية للرباط.
وكانت من أبرز الاتهامات الموجهة للمغرب، الادعاء بأن «الرباط اخترقت هواتف عدد من المسؤولين الإسبان ببرنامج التجسس الإسرائيلي «بيغاسوس»، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، ووزيرة الدفاع مارغاريتا روبليس، بالرغم من أن الأحزاب السياسية التي اتهمت المغرب، ومعها بعض الصحف الموالية لها، لم تقدم أي دليل مادي على تلك الاتهامات».
«بيغاسوس» يربك المؤسسات الإسبانية
أعلن بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، إعادة الهيكلة الشاملة لأجهزة مدريد الاستخباراتية بعد فضيحة التجسس على وزراء الحكومة الإيبيرية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي «بيغاسوس»، وتمت إقالة رئيسة المخابرات الإسبانية، باث إيستيبان، من طرف وزيرة الدفاع في حكومة بيدرو سانشيز، بسبب مزاعم التجسس على العديد من الشخصيات الوزارية الوازنة بالمملكة الإيبيرية.
وأورد بيدرو سانشيز، أن «القرار يهدف إلى تعزيز الضمانات القضائية التي من شأنها حماية الحقوق الفردية والجماعية للإسبان»، وكشف رئيس الوزراء الإسباني «اعتماد قانون جديد للمعلومات السرية بغرض تجاوز التشريع الحالي القديم الذي يعود إلى 1968»، مشيرا إلى أهمية «إخضاع التعديلات الجديدة للمبادئ الديمقراطية والدستورية للمملكة».
وتعرضت هواتف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ووزيرة الدفاع مارغاريتا روبلس لعمليات تنصت «خارجية» و«مخالفة للقانون» بواسطة برمجية «بيغاسوس» الإسرائيلية، بحسب ما أعلنت الحكومة الإسبانية في وقت سابق.
تقرير البرلمان الأوروبي يزكي المغرب
سبق لتقرير للبرلمان الأوروبي، أعدته لجنة مركزية للتحقيق في استخدام “بيغاسوس”، أن قرر عدم توجيه أي اتهام للمغرب بشكل خاص في ما يتعلق باختراق هاتف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وأعضاء حكومته، فبحسب تفاصيل القرار، الذي نقلته صحيفة أوكديارو الإسبانية، خلا تقرير مركز المخابرات الوطني الإسباني (CNI) من أي دليل على اتهام المغرب بالتجسس على هاتف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.
وقالت وكالة Okdiario إن مركز المخابرات الوطنية لم يتمكن من العثور على أي دليل يربط المغرب بقضية التجسس التي أعلنتها الحكومة رسميًا من خلال الوصول إلى 3 غيغابايت من المعلومات من هاتف رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وكذلك هواتف أعضاء في الحكومة الإسبانية، منهم وزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا، ووزيرة الدفاع مارغريتا روبليس.
وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن البرلمان الأوروبي يعتزم نشر التقرير الاستقصائي للجنة، مضيفة أن هناك «أملا ضئيلا في الحصول على إجابات» حول من قام بالاختراق، وما حدث للمعلومات المسربة.
ملف مفبرك ببعد سياسي
في هذا السياق، قال محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد الملك السعدي، إن «ملف بيغاسوس كان واضحا من الوهلة الأولى أنه كان مفبركا من طرف جهات معادية للمغرب وبغرض ضرب مصالح المملكة والحملة ضد المغرب، والتي انخرطت فيها بعض الدول بما فيها فرنسا» حسب بوخبزة، والذي أوضح في اتصال هاتفي مع «الأخبار» أن «هذا الملف كان الغرض منه ضرب مصداقية المغرب، وقد قدم المغرب الكثير لتفنيد كل الادعاءات الموجهة ضده، وبين بالملموس بطلانها» مبرزا أن «في السياسة الخارجية الآثار المباشرة لبعض الملفات وغير المباشرة تكون آنية ويصعب تداركها، ورغم كون التقرير الإسباني يبرئ المغرب من كل الاتهامات السابقة، إلا أن الآثار التي كانت الغاية وراء تحريك هذا الملف ضد المغرب، قد تحققت في ذلك الحين».
وأوضح بوخبزة أن الملف كان الغرض منه خدش صورة المغرب لدى الرأي العام الأوروبي بالخصوص، وهي الأهداف التي تحققت في ذلك الحين، وهي باتت تحصيل حاصل، والتقرير الإسباني الأخير من شأنه فقط تخفيف الآثار، علما أن العلاقات المغربية الإسبانية قد تحسنت، كما أن العلاقات المغربية الفرنسية في طريقها نحو العودة إلى سابق عهدها ونحو التحسن، مبرزا أن «المغرب استطاع استكشاف بعض الحقائق حول الجهات التي بدأت تشتغل بشكل علني ضد المغرب، وهي الجهات التي فضحها هذا الملف»، يشير بوخبزة.
وحول استثمار التقرير الإسباني الأخير في تخطي الأثار السلبية التي قد تكون نجمت عن فبركة ملف «بيغاسوس» ضد المغرب، قال بوخبزة «إن خصوم المملكة ليسوا في حالة عطالة، وهم يشتغلون في كل مناسبة من أجل المساس بصورة المغرب على المستوى القاري والدولي، وبالتالي فإنه يجب استثمار هذا النوع من التقارير من أجل وقف المحاولات المحتملة من طرف هؤلاء الخصوم، والمغرب مطالب باستثمار هذه التقارير بشكل ذكي للحيلولة دون محاولة المساس بصورة المغرب بنفس الأسلوب، وهنا يبقى الدور دور جميع الهيئات بما فيها الهيئة الدبلوماسية والسياسية وغيرها، وأيضا استثمار هذا التقرير الإسباني في دعم أصدقاء المغرب في أوروبا، ومنحهم آليات الدفاع عنا، خصوصا إذا علمنا أن هناك أصواتا شريفة في أوروبا تصدع بالحق والحقيقة، وهذا التقرير من شأنه أن يعزز مواقفهم في الدفاع عن المغرب في أوروبا، وهي الأصوات التي نددت بالحملة ضد المغرب حتى داخل البرلمان الأوروبي».