الوسواس القهري في زمن كورونا
ميمون السالمي
مع تفشي فيروس كورونا وانتشاره بالمغرب وبجميع أنحاء العالم، وما تداولته نشرات الأخبار ومنظمة الصحة العالمية من إرشادات وطرق للوقاية من عدوى فيروس كورونا، قد يتحول الخوف من هذا الفيروس إلى اضطراب نفسي، خاصة عند اتباع النظافة بإفراط وليس بانتظام، عن طريق غسل اليدين أو ارتداء قناع طبي وعدم لمس الوجه والتطهير بالمعقم، فقد تتحول هذه الأفعال إلى اضطراب «الوسواس القهري»، أو ما يسمى بـ«قلق الأفكار» الذي يدفع إلى فعل هذه الأفعال القهرية.
إن «الوسواس القهري» يطرح إشكالية العلاقة بين الحياة الانفعالية والحياة الفكرية أو الذهنية، وبإمكان أي إنسان التفكير في الأشياء التي يراها قريبة منه، وكذلك بطرد جميع الأفكار التي تبدو له عديمة الأهمية فيتجاهلها، وفي ذلك تعبير عن مشاعره وشخصيته، بحيث في أحيان كثيرة تسيطر على الإنسان أفكار سيعمل على طردها من ذهنه، لكن في حالة «الوسواس القهري» يجد الفرد صعوبة في التخلص من هذه الأفكار التي تحاصره وتفرض سلطتها عليه، رغم إحساسه على أنها غريبة عنه وتكون تافهة وعديمة الأهلية، فيصبح رد فعله الشعور بالضيق، ومع مقاومته للأفكار الوسواسية التي تسيطر عليه يفضي ذلك إلى الزيادة من حدة القلق، وما يزيد من معاناة الفرد هو عدم الإفصاح عن هذا القلق الذي يلازمه.
إذن «الوسواس القهري» يتحدد في سيطرة فكرة على شخص ما، تفرض نفسها بقوة ضدا على إرادته، ويحاول بكل ما يملك من قوة التخلص منها وعدم الاستسلام لها، لكن دون جدوى، ليعيش في النهاية تحت السيطرة القهرية لهذه الأفكار.
وهذا الاضطراب يرتبط بالفعل القهري الذي يكون إما عضليا أو حركيا (غسل اليدين عدة مرات، تنظيف المكان والأشياء…)، أو يكون ذهنيا كتكرار الأفكار والأحداث في الذهن، وما يمكن الإشارة إليه أن غسل اليدين سلوك طبيعي وعادي وكذلك تكرار هذه الأحداث، ولكن حينما يجد الإنسان نفسه مرغما على ذلك، كأن يغسل يديه 20 مرة قبل كل وجبة وأن يتردد في لمس الأشياء، فهذا ما يعبر عن طغيان هذه الأفكار وفعلها القهري.
ولعل من بين الخاصيات الأساسية للسلوك القهري يجد الإنسان نفسه مضطرا إلى تكرار الأفعال القهرية والاستجابة للسلوكات الحركية والذهنية من أجل التخفيف من حدة القلق، إن سلوك غسل اليدين كفعل قهري عضلي يكون مرفقا بأفكار وسواسية متعلقة بالنظافة والخوف من الإصابة بعدوى فيروس كورونا، وتكون عملية غسل اليدين المتكررة وسيلة للخروج من دائرة القلق. ومع استمرار انتشار فيروس كورونا، يتوقع ارتفاع حالات الإصابة باضطراب الوسواس القهري وقد يستمر حتى بعد نهاية هذا الفيروس، بحيث تحولت عملية غسل اليدين وتعقيم الأشياء والأماكن من عملية الوقاية من انتقال عدوى الفيروس وحماية الذات إلى رغبة ملحة غير مبررة، ويصبح فيروس كورونا هو كل ما نفكر فيه. وعلى الرغم من أنه ضروري اتباع قواعد النظافة، ولكن الإفراط في كل شيء يؤدي إلى المرض، حيث يمكن أن يكون غسل اليدين كثيرا أو تطهير الأشياء مرارا وتكرارا علامة تدل على الوسواس القهري، ففي هذا الصدد نجد أن؛ «الشخص المصاب بالوسواس القهري سوف يغسل يديه حتى يشعر بالراحة وليس النظافة» (دويتشيه فيلله)، وبالتالي فإن الوسواسي لا يشعر بالراحة إلا في:
– طقوس التكرار القهرية.
– أفعال الغسل والتنظيف القهرية.
– الترتيب والتنظيم القهري.
وفي هذا الصدد يتحدث *Aron Beck* قائلا: «الوسواس القهري عبارة عن أفكار تسلطية، يجد الوسواسي نفسه مجبرا على تنفيذها».
وختاما يمكن القول إن من بين طرق علاج وتجاوز هذه المحنة النفسية، تحديد الأفكار الوسواسية والتغلب عليها، لأنها قد تؤثر عليه سلبا وتتحكم في توجيهاته وأفعاله، ومواقفه، كالسلوك المبالغ فيه والإحساس بوجود الخطر.