محمد اليوبي
علمت «الأخبار»، من مصادرها، أن غيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أقدمت قبل حوالي سنتين على كراء بناية غريبة في شكلها الهندسي بمدينة الرباط، علما أن هذه البناية مثقلة بالرهون والحجوزات البنكية، وظلت فارغة منذ سنوات، لأنها غير صالحة للاستعمال الإداري، كما أنها موضوع شكاية لدى قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالرباط، حول تورط صاحبها في النصب والاحتيال.
وأفادت المصادر بأن الوزيرة تؤدي سومة كرائية لهذه البناية الغريبة منذ شهر ماي 2023، بمبلغ 70 مليون سنتيم شهريا، وخصصتها لكي تكون مقرا للمديرية العامة للانتقال الرقمي المحدثة في هيكلها التنظيمي، وبعد مرور أزيد من سنة ونصف السنة دون استغلال هذه البناية، في الوقت الذي تؤدي الوزارة مبالغ كرائها شهريا، أعلنت الوزيرة مزور أخيرا عن طلب عروض مفتوح من أجل أشغال التهيئة لمقر ملحقة الوزارة، وحددت مبلغ الصفقة بأكثر من مليار و475 مليون سنتيم، وأكدت المصادر أن المبالغ التي صرفتها الوزارة كانت كافية لشراء أو بناء مقر جديد، خاصة أن هذه البناية لا تصلح لاحتضان مكاتب إدارية، وتشير معطيات موثوقة إلى أن موظفا مسؤولا هو الذي توسط في عملية الكراء، مقابل عمولة حصل عليها «كاش».
وحصلت «الأخبار» على عقود بيع وكراء هذه البناية، وكذلك رسمها العقاري المسجل بمحافظة الأملاك العقارية، بالإضافة إلى بروتوكول اتفاق بين مالكها وإحدى المؤسسات البنكية، وتؤكد هذه الوثائق أن البناية ممنوع تفويتها أو كراؤها أو رهنها، حسب شهادة الملكية، لأنها مثقلة بالديون البنكية يصل مجموعها إلى 46 مليون درهم، ما يثير تساؤلات حول كيفية تسجيل عقد الكراء لدى مصالح وزارة المالية، وكيف سيتم تبرير صرف واجبات الكراء الشهرية على بناية هي موضوع رهن وحجز لدى مؤسسة بنكية.
وحسب الوثائق، فإن هذه البناية المصممة في شكل «صاروخ»، هي موضوع رهن رسمي مقيد بتاريخ 24 غشت 2017، ضمانا لقرض بنكي بمبلغ 15 مليون درهم، وهي موضوع رهن رسمي مقيد بتاريخ 10 ماي 2019، ضمانا لقرض بنكي بمبلغ 5 ملايين درهم، وهي كذلك موضوع رهن رسمي مقيد بتاريخ 10 ماي 2019، ضمانا لقرض بنكي بمبلغ 6 ملايين درهم، كما أنها موضوع رهن رسمي إضافي للرهن المقيد بتاريخ 24 غشت 2017، والمسجل بتاريخ 19 يونيو 2020، ضمانا لقرض بنكي قدره مليونان و600 ألف درهم، على كافة الملك المذكور، مما يرفع قيمة الدين موضوع هذا الرهن إلى 17 مليونا و600 ألف درهم.
ومن جهة أخرى، قام مالك هذه البناية ببيعها إلى مهاجر مغربي مقيم بالخارج في شهر أبريل 2023، أي قبل كرائها لوزارة الانتقال الرقمي بمبلغ 52 مليون درهم، وأخبره بأنه سيقوم بكرائها للوزارة بمبلغ 70 مليون سنتيم شهريا، من أجل رفع قيمة بيعها، لكنه تراجع عن قرار البيع، بعد حصوله على شيكات، ما دفع بالمهاجر الذي اشترى العقار إلى تقديم شكاية مباشرة إلى قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بالرباط، يتهم من خلالها صاحب البناية بالنصب والاحتيال وخيانة الأمانة، وهي موضوع بحث من طرف الشرطة القضائية.
وأفاد صاحب الشكاية بأنه تعرف على مالك البناية بحكم العلاقة التجارية بينهما، حيث يكتري منه مركزا تجاريا يوجد بحي الرياض بالرباط، وبعد اتفاقهما تمكن من اقتناء العقار الذي كان يشغله على وجه الكراء، وبعد ذلك اقترح عليه شراء بناية أخرى لتوسيع نشاطه التجاري مقابل مبلغ قدره 52 مليون درهم، وأخبره أن العقار مكترى من قبل وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة بسومة شهرية قدرها 70 مليون سنتيم، وقد توافق الطرفان على هذا الثمن وأبرما عقد وعد بالبيع لدى موثقة، وطلب صاحب البناية من المشتري تسليمه شيكين موقعين على بياض لأجل أداء مصاريف تحويل الملكية والسمسرة، حسب زعمه، وهو ما قام به المشتكي الذي سلمه شيكين، وبعد عدم قدرة هذا الأخير على توفير السيولة الكفيلة بالشراء، ووفق الوعد بالبيع، اتفق الطرفان على إلغاء الوعد مقابل إرجاع المشتكى به للشيكين اللذين بقيا بحوزته، غير أنه ظل يحتفظ بالشيكين بدون سبب، حسب ما ورد بالشكاية، كما قام باستخلاص مبلغ مالي يقدر بـ641 ألف درهم، بعدما قام بتضمينه بخط يده في الشيك، كما فوجئ المشتكي بإقدام المشتكى به بتاريخ 5 غشت 2023 بمحاولة استخلاص الشيك الثاني بنفس المبلغ السابق، الذي ضمنه بخط يده.
وأكد دفاع المشتكي أن هذه الأفعال تشكل شبهة «النصب والاحتيال وخيانة الأمانة» المنصوص عليهما على التوالي في الفصلين 540 و547 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، مشيرا إلى احتفاظ صاحب البناية بالشيكين، رغم إلغاء عقد الوعد بالبيع، وعدم اتفاق الطرفين على أية عملية جديدة، عكس ما يدعيه المشتكى به، الذي قام باستخلاص الشيك الأول دون إشعار أو علم صاحبه، وبدون أية رابطة تعاقدية تخول له استخلاص هذا المبلغ، وإنكاره أن الوعد بالبيع الذي تسلم على إثره الشيكين قد تم إلغاؤه، ثم قيامه كذلك بتقديم الشيك الثاني، رغم علمه بأنه متعرض عليه من طرف المشتكي.