شوف تشوف

الرأي

الوزارة ليست مهنة

على حد علم العقلاء، فإن «الوزير» أو «الوزيرة» لم تكن مهنة أبدا بقدر ما كانت تكليفا بمهمة تبدأ وتنتهي، ليعود الشخص المكلف بها إلى ممارسة حياته الطبيعية، ويتم استدعاؤه في حال اكتشاف استفادته بشكل غير قانوني من امتياز استعمل فيه صفته الوزارية.
لكن هذه الأمور كلها للأسف لا تحدث عندنا في المغرب، لأن ولوج البرلمان أصبح مهنة بحد ذاته. الأحزاب المغربية بدورها تنظر إلى قبة البرلمان، كما ينظر المواطنون العاديون إلى الإدارة العمومية. يكرهون الدخول إليها ويكرهون أن تستدعيهم لتنفيذ إجراءات إدارية لا تنتهي، لكنهم يرحبون دائما بالعمل داخلها، لأنها تضمن راتبا شهريا مدى الحياة، طالت أو قصرت.
عندما كان عدد المغاربة أقل بكثير مما هو عليه اليوم، والمتعلمون يعدون على رؤوس الأصابع، كان الجميع، أغنياء كانوا أو فقراء، يرون في الشخص المتعلم مثالا محظوظا لأنه سيعمل «مع» الدولة. وهكذا أصبح العمل مع الدولة لا يعني أبدا تحمل المسؤوليات بقدر ما يعني الحصول على راتب في آخر الشهر، في وقت كان المغاربة يحصلون على المال موسميا، وحسب مزاج السماء والغيم. مرت سنوات عجاف كان فيها الموظفون المغاربة بجميع تخصصاتهم يتقاضون رواتبهم، في وقت كان الفلاحون والناس غير الموظفين، يعيشون مجاعة حقيقية، ولولا المساعدات الغذائية التي حصلت عليها الدولة بموجب الاتفاقيات الدولية وبدأت في توزيعها مجانا، لمات أكثر من نصف المغاربة بين سنوات الخمسينات والستينات.
بعد هذه الفترة، أصبح أمر العمل مع الدولة يساوي القدرة على الحياة في جميع الظروف، ولا أحد تساءل عن الوظيفة التي يقدمها موظفو الدولة للمواطنين.
اليوم، وبكل بساطة، وصلت الحمى إلى البرلمان أيضا، والنقاش الذي أثير بسبب «جوج فرنك»، جاء متأخرا كثيرا عن الوقت الذي كان يتوجب أن يُطرح خلاله. لأن أجيالا كثيرة من الوزراء ضيعوا ملايين الدراهم على الدولة، كان يمكن أن تستغل في تخفيض الديون الخارجية للدولة أو خلق مناصب شغل إضافية. بالإضافة إلى أن كثيرين يعيشون بيننا اليوم، وربما يحظون باحترام الشعب، وهنا العجب، دخلوا الوزارة فقراء لم يكن لديهم ما يطعمون به أبناءهم، وعندما غادروا المكتب الوزاري بعد جولة حكومية واحدة فقط، أصبحوا من كبار الملاكين ومرتادي الفنادق الفخمة، ولو كان ممكنا أن يستوردوا نوعا خاصا من الأوكسجين لاستوردوه حتى لا يستنشقوا الهواء الذي يستنشقه عامة الناس.
المسألة إذن أكبر من لا وعي وزيرة حديثة عهد بكرسي الوزارة، وأكبر من غضب الشارع ونكات المقاهي. المسألة قضية شعب عاش عقودا طويلة بالطريقة نفسها.
لماذا لم يتساءل أحد عن الهدايا التي يتوصل بها الوزراء المغاربة وزوجاتهم من الوزراء والرؤساء والملوك الأجانب، في مهمات العمل الخارجية التي يمثلون فيها المغرب؟ أول مرحلة لقطع الطريق أمام الريع هي محاسبة كل مسؤول عن ممتلكاته، وأن يدعوه ضميره قبل لجان الافتحاص، إلى تسليم ما حصل عليه باسم الوزارة التي كان يمثلها. أسابيع قبل إثارة ضجة وزيرة «جوج فرنك»، تأملت تذكارا غريبا في صالون أحد الأصدقاء، قال لي في ما بعد إنه حصل عليه كهدية من أحد الوزراء الحاليين في الحكومة. الغريب أن التذكار مهدى من دولة عربية «شقيقة» إلى معالي الوزير إثر حدث دولي مثل فيه وزيرنا المغرب. والصديق الذي انتهى هذا التذكار في صالونه، كان قد أعد حوارا مع الوزير المحترم قبل أشهر، وعندما انتهى الحوار وأراد صاحبنا الخروج، أقسم الوزير وتوعد بالطلاق إن لم يقبل صاحبنا هديته الرمزية التي كانت عبارة عن مجسم قصديري يؤرخ لمؤتمر دولي من تلك التي لا يقولون فيها أي شيء ويذهبون إليها فقط لالتقاط الصور.
ما معنى أن يمنح وزير تذكارا وزاريا مهما كانت قيمته المادية منخفضة، لكي ينتهي في صالون مواطن.أما مسألة تقاعد البرلمانيين فإنها تصب في نفس خانة تذكار القصدير. الوزارة، أعزائي الوزراء، ليست وظيفة حتى تتمسكوا بالتقاعد. الوزارة تكليف محكوم بالوقت. عليكم أن تبحثوا عن مهنة حقيقية تضمنون بها مستقبلكم بعد حياة التسكع بين كراسي البرلمان، وليس أن تطالبوا الشعب بأداء تقاعدكم، لأنكم جلستم يوما في كرسي المسؤولية. ثم لماذا لا تبيعون التذكارات القصديرية ما دام لا يسألكم عنها أحد؟ هل تعرفون كم يبلغ سعر النحاس والزنك هذه الأيام؟ اعرضوا مكاتبكم وتذكاراتكم وحتى السيارات الوزارية للبيع بعد الوزارة. ستربحون أكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى