شوف تشوف

ملف التاريخ

الوالد رافاييل المالح كان له صديق مشترك مع الملك محمد الخامس

الأخبار

 

 

نريد هنا أن نسلط الضوء على فيكتور المالح المغربي، لأن نهاية الخمسينيات تقريبا سوف تشهد ما يشبه القطيعة بينه وبين المغرب. كلما كان فيكتور يتوغل في سلم النجاح، كان يبتعد في الحقيقة عن المغرب.

قد تكون الأواصر العائلية قائمة، وقد يكون زار المغرب مرات كثيرة بعد تلك المرحلة، لكن ما نقصد هنا هو ابتعاده «المالي» عن المغرب، وتوجيهه لاستثماره ملقيا بثقله كاملا في «نيويورك».

 

مشاكل المغرب

في بداية الخمسينيات كان المغرب يعيش مشاكل كثيرة، أولها الهيمنة الفرنسية. فالقانون الفرنسي جعل عددا من اليهود المغاربة يغادرون المغرب وبشكل نهائي ناقلين أعمالهم نحو دول أخرى خصوصا فرنسا نفسها، ثم كندا.

وجل هؤلاء كانوا من جيل فيكتور المالح الذي غادرهم وهو في السن السادسة. هذا الجيل الذي رأى النور خلال العشرين سنة الأولى من القرن العشرين، كان عليه أن يتعامل مع الإدارة الفرنسية، وليس «المخزن» كما اعتاد أجداد اليهود أن يدبروا تجارتهم بمباركة أهل الحل والعقد وبحماية مشهود لها من السلطان وفتاوى العلماء الكبار الذين يحثون الرعايا المسلمين على احترام إخوانهم اليهود.

في الصويرة، كان هناك سلم اجتماعي واقتصادي، حتى أن أسرا يهودية مغربية استطاعت أن تراكم ثروات ضخمة وساهمت بجزء مهم من الضرائب لصالح الدولة والتي حلت الكثير من المشاكل على عهد السلطان المولى سليمان ثم مع المولى الحسن الأول أيضا إلى حدود سنة 1894.

رفاييل، والد فيكتور المالح، من الجيل الذي عاش نهاية فترة حكم المولى الحسن الأول، وولاية المولى عبد العزيز من بعده (1894-1907) وهذه الفترة كانت عصيبة جدا من الناحية الاقتصادية بسبب تدخل الإنجليز والفرنسيين في الشأن المغربي وفوز تجارهم بعدد كبير من الامتيازات التي وُقعت في طنجة وسرى مفعولها على سائر الموانئ المغربية. وفي تلك الفترة سجل المؤرخون رحيل عدد من الأسر اليهودية صوب بريطانيا، في إطار ميلاد المحميين المغاربة الجدد، أو ما عرف تاريخيا بـ«أصحاب الباصبور»، وهم مغاربة حصلوا على حماية الدول الأجنبية واستقووا على الدولة المغربية ورفضوا أداء الضرائب.

عائلة المالح لم تكن من العائلات المحمية، وظلت تجارتها مغربية خالصة، بل وعانت من تلك الأزمة. وتفاقم الامر أكثر مع أعمامه، مع بداية الحماية الفرنسية بعد سنة 1912.

 

أمريكا هي الحل

رفاييل المالح كان من جيل التجار الذين تضرروا كثيرا بالوجود الفرنسي في المغرب. سبق لفيكتور المالح أن تحدث مرة عن والده عند وفاته سنة 1990 بالقول: «والدي لم أتعرف عليه أكثر إلا في مرحلة الشباب. خلال طفولتي كان يأتي ليراني مرة في السنة أو خلال سنتين على الأقل. كان يأتي إلى مكتب صغير اكتراه في نيويورك، لكي يدير منه تجارته التي تقوم أساسا على الاستيراد والتصدير بين المغرب والولايات المتحدة. خلال الثلاثينيات كانت تجارته متواضعة وتعرف الكثير من المشاكل. لاحقا سوف أعرف منه أن الأمر كان مرتبطا أساسا بالمشاكل التي كانت تعيشها المحمية الفرنسية في إفريقيا. وخلال الحرب العالمية الثانية كنت تلك المشاكل تتفاقم. عندما أخذنا على عاتقنا توسيع تجارة العائلة، كان المكتب على وشك أن يموت، لكن بفضل اشتغالنا من أمريكا على الوضع، تحقق إقلاع قوي للعائلة».

 

صداقة بين رفاييل المالح وربي مساس

حسب بعض المعطيات التي وصلنا إليها، فإن والد فيكتور المالح، رفاييل المالح، كان على علاقة بعدد من الشخصيات المغربية، خصوصا في أوساط الطائفة اليهودية. منهم الفقراء والأغنياء وجلهم من الصويرة. لكن أحدهم هو «ربي مساس» الذي جمعته به صداقة قوية في الدار البيضاء والرباط، وكان يزوره قبل أن يغادر المغرب، في فترة نهاية العشرينيات، أي خلال الفترة التي توجهت فيها زوجته لكي تضع مولودتها في نيويورك وتترك فيكتور هناك. لذلك كان من الطبيعي ألا يأتي فيكتور المالح في أمريكا على ذكر صداقات والده لأنه ببساطة لم يكن يعرف عنها الشيء الكثير. وجل ما كان يربطه وقتها بالمغرب لم يكن سوى وجبة «الشرشم» التي كانت تعدها جدته الصويرية في نيويورك خلال الأعياد اليهودية والمناسبات. هذا الصديق الحميم لرفاييل المالح كان أيضا يحظى باحترام الملك الراحل محمد الخامس، بل ربطته به صداقة متينة.

وُلد ربي مسّاس في وسط محافظ بمدينة مكناس سنة 1892، واستطاع وهو في ريعان شبابه أن يحظى باهتمام المشرفين على الطائفة اليهودية في المغرب، لأنه لمع في أوساط رجال الدين بضبطه وتأليفه لعدة مخطوطات تهتم بالديانة اليهودية.

عانى ربي مساس من موجة الفقر الشديدة التي عاشها المغاربة في السنوات الحرجة التي سبقت مرحلة الحماية، ومرحلة الصراع حول السلطة في المغرب، وكان من جيل الملك الراحل محمد الخامس، وكثيرا ما تناول معه ماضي مدينة مكناس ومحيطها وما كان يُحكى عن صراعات القبائل حول السلطة وكيف كانوا يلجؤون إلى القصر طلبا للتحكيم الملكي.

كان ربي مسّاس محظوظا، حسب ما حكاه بنفسه، عندما وُلد بعد أن انتهت الحرب الطائفية التي راح ضحيتها عدد كبير من المغاربة اليهود على أيدي بعض المتعصبين الذين لجؤوا إلى التصفية العرقية في حق عدد من اليهود الذين كانوا يسكنون الملاح، وتدخل القصر لإيقاف تلك التصفيات وخصص لليهود مساكن جديدة.

وُلد ربي مسّاس بعد هذا الصراع بفترة، لكنه عاش صراعات أخرى سببها تأزم الأوضاع الاجتماعية في المغرب.

كان ربّي مساس يحظى باحترام الملك الراحل محمد الخامس، حتى أنه استشاره خلال سنوات الخمسينات، بخصوص رئاسة الطائفة اليهودية في المغرب، وهي المؤسسة التي كان يشرف عليها عدد من البارزين اليهود في مجالات متعددة ويمثلونها أمام السلطات الرسمية في المغرب، وقد كان الملك الراحل، وبعده الملك الحسن الثاني، حريصين على استقبال ممثلها في جميع المناسبات الرسمية، الوطنية والدينية.

كانت للملك محمد الخامس علاقة خاصة بربي مساس، خصوصا عندما برز كرجل دين متمكن يحظى باحترام غالبية اليهود في مكناس وخارجها. وقد كان خلال أحد الاستقبالات التي حضر فيها للسلام على الملك محمد الخامس في قصر الرباط بداية الخمسينات، قبل المنفى بأشهر، حريصا على أن يبلغ الملك محمد الخامس تحيات بعض رجال الدين اليهود الذين كانوا يمثلون نخبة يهود منطقة مكناس. وقد أخبر الملك محمد الخامس وقتها بأن اليهود يصلون من أجله حتى لا تتأزم الأمور أكثر بينه وبين فرنسا، خصوصا بعد استبدال المقيم العام الفرنسي في المغرب، والذي كان متعاونا جدا مع القصر، بآخر بخلفية عسكرية صرح في أول لقاء له بعد تنصيبه في الرباط، بأنه سيعمل على تكريس العقلية الاستعمارية الفرنسية في الإدارة المغربية ويغلق باب المفاوضات مع ممثلي السلطة في المغرب لإجبارهم على قبول القوانين الفرنسية.

سيكون على ربّي مساس أن يغادر المغرب، خصوصا وأنه مر بفترة عصيبة، كغيره من المغاربة. ففي سن 12 سنة، كان مجبرا على العمل لتلبية حاجيات أسرته، وبعدها غادر إلى الجزائر، حيث عُين فيها رجل دين يهوديا وهو في سن الثانية والثلاثين، ليعود بعد ذلك إلى المغرب، ويتعرف على الملك الراحل محمد الخامس عن قرب، عندما كان يحضر في المناسبات الدينية التي تحييها الطائفة اليهودية في المغرب.

ومما يُحكى عن علاقته بالملك الراحل محمد الخامس، أنه جاء إليه في الأيام الأولى لعودته من المنفى، مع وفد من رجال الدين اليهود، لتقديم التهنئة الرسمية له بعودته من المنفى، باسم كافة اليهود المغاربة، ويخبره بأنه كان يصلي من أجله طيلة فترة المنفى. وفي ذلك اللقاء عاد ربي مساس بالذاكرة إلى الوراء مستحضرا أفضال القصر على الطائفة اليهودية في سنوات الأزمة. ظل مساس رمزا للتنوع الديني في المغرب، وفي شمال إفريقيا أيضا، خصوصا عندما اشتهر اسمه في أوساط اليهود عبر العالم، وصار يمثل يهود شمال إفريقيا في عدد من المحافل إلى أن توفي سنة 1974.

 

 

للتاريخ

نادرا ما يسلط الضوء على الوجود اليهودي في المغرب قبل هجرة أغلب العائلات اليهودية خلال بداية خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

الملك الراحل محمد الخامس قام بحماية العائلات اليهودية المغربية من مجازر حقيقية عندما طلب دوليا ترحيل اليهود قبل نكبة 1948. تعرضت جاليات يهودية كثيرة للإبادة، ولو تم ترحيل اليهود المغاربة في تلك الفترة، أي قبل الحرب العالمية الثانية بقليل، لوقعت مجزرة في حقهم، خصوصا وأن أوربا أصبحت معادية لليهود.

وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الإدارة الفرنسية عدوانية مع اليهود المغاربة، خصوصا منهم التجار والأثرياء، إذ كانوا يشكلون منافسة كبيرة لأثرياء فرنسا الذين كانوا يستثمرون في المغرب.

كيف، إذن، هاجرت جل العائلات اليهودية خارج المغرب؟ لقد كان لهذا المعطى الدقيق دور كبير في صناعة ثروة فيكتور المالح خلال بداية الخمسينيات.

 

 

نافذة:

رفاييل، والد فيكتور المالح، من الجيل الذي عاش نهاية فترة حكم المولى الحسن الأول، وولاية المولى عبد العزيز من بعده (1894-1907) وهذه الفترة كانت عصيبة جدا من الناحية الاقتصادية بسبب تدخل الإنجليز والفرنسيين في الشأن المغربي وفوز تجارهم بعدد كبير من الامتيازات التي وُقعت في طنجة وسرى مفعولها على سائر الموانئ المغربية. وفي هذه الفترة سجل المؤرخون رحيل عدد من الأسر اليهودية صوب بريطانيا، في إطار ميلاد المحميين المغاربة الجدد، أو ما عرف تاريخيا بـ رفاييل «أصحاب الباصبور»، وهم مغاربة حصلوا على حماية الدول الأجنبية واستقووا على الدولة المغربية ورفضوا أداء الضرائب.

عائلة المالح لم تكن من العائلات المحمية، وظلت تجارتها مغربية خالصة، بل وعانت من تلك الأزمة. وتفاقم الأمر أكثر مع أعمامه، مع بداية الحماية الفرنسية بعد سنة 1912.

وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الإدارة الفرنسية عدوانية مع اليهود المغاربة، خصوصا منهم التجار والأثرياء، إذ كانوا يشكلون منافسة كبيرة لأثرياء فرنسا الذين كانوا يستثمرون في المغرب.

كيف إذن هاجرت جل العائلات اليهودية خارج المغرب؟ لقد كان لهذا المعطى الدقيق دور كبير في صناعة ثروة فيكتور المالح خلال بداية الخمسينيات.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى