الواجبات أولا
تفاجأ عشرات الآلاف من عائلات تلاميذ التعليم العمومي بعدم إدخال نقاط ونتائج الأسدس الأول من الموسم الدراسي في منظومة “مسار”، بسبب الاحتجاجات التي تقودها خمس فئات تربوية (المتعاقدون والمقصيون من خارج السلم و”الزنزانة 10” وضحايا النظامين وضحايا تجميد الترقيات)، احتجاجا على إهمال مطالبهم وعدم التزام الحكومة بتنفيذ اتفاقات سابقة، تهم بالأساس الترقيات والنظام الموحد.
لا أحد ضد دفاع رجال التعليم عن حقوقهم الاجتماعية، وممارسة كل أشكال الضغط المشروعة من أجل تحقيق مطالبهم، لكن لا يُعقل أن يكون هناك حديث جدي عن الحقوق دون أداء الواجبات أيضا، لأنهما ببساطة وجهان لعملة واحدة. فحقوق الأساتذة نابعة من أدائهم واجباتهم، كما أن حقوق الوزارة التي لا تفلح سوى في استفسار الأساتذة نابعة من أدائها واجبها في توفير منظومة قانونية محفزة لتجويد الخدمة العمومية في مجال التعليم. لكن للأسف في زمن أصبح فيه الحديث عن الحقوق أسهل بالنسبة إلى الأساتذة والوزارة من الحرص على الواجبات، بينما الضحية والرهينة هم أبناء الفقراء الذين تهدر حقوقهم في معركة تكسير العظام بين التنسيقيات ووزارة التعليم.
فما معنى أن تلاميذ القطاع الخاص توضع نتائجهم على منظومة “مسار”، فيما تلاميذ المدارس العمومية محرومون من وضع النتائج؟ لماذا يتم احترام تلاميذ المدارس المؤدى عنه، فيما يتم الاستهتار بمصير تلاميذ المدارس المجانية؟ أي منطق هذا الذي يسمح للأستاذ نفسه بوضع نقاط المدرسة الخاصة التي يدرس فيها بشكل عرضي، ويقاطع نقاط المدرسة التي يعمل بها كأستاذ دائم؟ إنه منطق من يهتم لحقوقه ويحتقر حقوق الآخرين، نعم! إنه يحتقرها، لأن التخلي عن واجب التنقيط هو تضييع لحق آلاف الأسر الفقيرة في الحصول على نقاط أبنائها.
هذا لا يعني أن الوزارة المعنية والحكومة لا تتحملان المسؤولية، بل على العكس تماما، فمشاكل هذا القطاع متراكمة وجانب كبير من حقوق الأساتذة ظلت مهضومة، وفي أحسن الأحوال تحولت تلك الحقوق في الترقية وإنهاء التعاقد وإحداث نظام موحد إلى ما يشبه كرة المضرب تتقاذفها الحكومات دون أن يتحقق منها شيء، لكن هذا لا يبرر أن يتم ذلك على حساب تلاميذ ذنبهم الوحيد أنهم ليس بمستطاع عائلاتهم توفير لهم الولوج إلى المدارس الخصوصية.