شوف تشوف

الرأي

الهُجوم الوَشيك في سوريا

عبد الباري عطوان

 

تصريحان لمَسؤولَين روسيَّين كبيرَين صَدرا، يوم الخميس الماضي، يُمكِن أن يُحَدِّدا مَلامِح المشهد السوري بشقّيه السياسيّ والعسكريّ في الأسابيع القَليلةِ المُقبِلة.

ـ الأوّل: للجنرال سيرغي رود سكوي، أحد القادة البارِزين في هيئة أركان الجيش الروسي، وقال فيه إنّ القُوّات السوريّة دمّرت كُلِّيًّا قُوّات تنظيم «الدولة الإسلاميٍة» و»هيئة تحرير الشام» (النصرة سابِقًا) في جنوب سوريا وحرّرت 3332 كيلومترا مربعا، وسَيطرت على 146 بلدة، وباتَت تُسيطِر بالكامِل على ثلاثِ مُحافظاتٍ وهي دَرعا والسويداء والقنيطرة وكُل الحُدود مع الأردن ومَعابِرها.

ـ الثاني: لسيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، الذي حدَّد الوِجهَة المُقبِلة للجَيشين الروسي والسوري، عندما قال يوم الخميس الماضي أيضًا: «إنّه يجب تطهير الجُيوب المُتَبَقِّية في مدينة إدلب في الشمال الغربي من الجَماعات الإرهابيّة».

الرئيس السوري بشار الأسد كان أكثَر وُضوحا عندما قال أثناء اجتماعِه مع وَفدٍ روسيٍّ زائِرٍ لدِمشق، الأُسبوع الماضي: «هدفنا الآن هو إدلب، رغم أنّها ليسَت الهَدف الوحيد على أيِّ حال».

الاستراتيجيّة التي طبّقها الجيش العربي السوري بنَجاح مُنذ بداية الحرب، مُعتَمِدًا سِياسَة النَّفس الطَّويل، والتَّنسيق الكامِل مع الحَليفين الروسي والإيراني، تتلخّص في استعادَة الحُدود والمعابِر لسوريا شرقًا وغربًا، وشمالاًـ وجنوبًا، والحَلقة الأهم في هَذهِ السَّيطرة على الحُدود مع الأردن والعِراق تَحقَّقت تَقريبًا، وبقيت الحُدود التركيّة الأخطَر، التي تدفَّقت عَبرها جحافِل المُقاتِلين ومِئات المِليارات من الدُّولارات، والأسلحة الثَّقيلة والخَفيفة مَعًا.

هُناك من يُجادِل بأنّ الهُجوم على إدلب قد يتأجَّل بسبب الكُلفة السياسيّة والعسكريّة الباهِظة لوجود العامِل التركي في المِنطَقة، وخُضوعِها لاتِّفاقات وقف تصعيد التوتر التي جَرى التَّوصُّل إليها في الآستانة بين روسيا وسوريا وإيران تركيا.

القيادة التركيّة، بشقّيها السياسيّ والعسكريّ ستَحرِص على تَجنُّب الدخول في مُواجَهة مع موسكو، والجيش العربي السوري أيضا، وهي تتمتّع بِدَرجةٍ عاليةٍ من البراغماتيّة، تماما مِثلما حدث في حلب عندما لم تتدخّل لدى اقتحامها من قِبَل القُوّات الروسيّة والسوريّة، الأولى من الجَو، والثانية على الأرض، وأحكَمت سَيطَرتها الكامِلة عليها.

وربّما يُفيد التَّذكير بأنّ المُحافظات السوريّة الثلاث في الجنوب، التي أعادَ الجيش السوري السيطرة الكامِلة عليها، كانت خاضِعَةً لاتِّفاقات خَفض التَّوتُّر، وكانت التَّهديدات الإسرائيليّة بعدم السَّماح لهذا الجيش بالاقتراب منها في ذَروتها، ومع ذلك جَرى اقتحامها بالقُوّة، وإعادَة السَّيطرة عليها بالتَّالي.

بالأمس، وبرعاية المُخابرات التركيّة، جرى تأسيس جبهة جديدة باسم «الجبهة الوطنيّة للتحرير»، تَضُم خمسة فصائِل أبرزها حركة «أحرار الشام» وفصيل «نور الدين زنكي»، و«جيش الأحرار»، والهَدف منها هو شَن حرب تصفية ضِد «هيئة تحرير الشام» التي يتزعّمها أبو محمد الجولاني وتُسيطِر على 60 في المِائة من منطقة إدلب، ولا نَستبعِد أن تكون هذه الخُطوة جاءَت بالتَّنسيق مع روسيا، وفي محاولة لتَجنُّب الهُجوم العسكريّ على غِرار ما حدث في جنوب سوريا، أي القضاء على الحركات الجِهاديّة المُصنَّفة على قائِمة الإرهاب، قضاءً مُبْرَمًا ودُفعَةً واحِدة.

الأنباء القادِمة من إدلب تقول إنّ حرب الاغتيالات بدأت بشَراسَةٍ، وباتت تَستهدِف القِيادات البارِزة في جبهة النصرة، مثل أبو بكر المصري، القائد العسكري، وأبو البراء الحموي، القاضي الشرعي، وأبو همام اللاذقي، القائد الميداني، ومن المُتوقّع أن تتزايد عمليّات الاغتيال هذه، في حال عدم تجاوب أبو محمد الجولاني مع الضُّغوط التركيّة التي تُطالِبه بِحَل الهيئة.

العَلامة الفارِقة في الحَرب المُقبِلة، أنّه لا تُوجَد إدلب أُخرى لإرسال المُعارِضين الرافضين لتَسوِيَة أوضاعِهم مع الجيش السوري إليها، وأنّه لا يُوجَد أمام هؤلاء إلا أحد خيارين، إمّا القِتال حتى المَوت، أو عُبور الحُدود التركيّة المُغلَقة ومُواجَهة الموت أيضًا برصاص القُوّات التركيّة الحامِية لها، أي إنّ المَوت في انتظارِهما في الحالين.

تركيا تُواجِه مأزَقًا خَطيرًا جدًّا أيضًا في إدلب، فإمّا أن تتصدّى لأيِّ هُجومٍ سُوريٍّ روسيٍّ لاستعادَة السيطرة عليها، وفي هذه الحالة قد تَخسَر حليفها الروسي، وهذا مُستَبعد، أو فتح حُدودها أمام ثلاثة ملايين من مُواطِني المُحافظة الذين يُريدون الهُروب، لأنّ نِسبةً كَبيرةً منهم من عائِلات «المُجاهِدين» الذين جاؤوا إلى المُحافَظة في الحافِلات الخَضراء أو سَيرًا على الأقدام، من مَناطِق القِتال السَّابِقة في حلب وحِمص والغُوطة الشرقيّة ودير الزور.

الرئيس أردوغان لا يُريد لاجِئًا سُوريًّا واحِدًا جَديدًا على أرضِ بلاده، ويَتطلَّع إلى التَّخلُّص من 3.5 ملايين لاجِئ بإعادَتِهم إلى بلادِهم، ولذلك ربّما يكون الأكثَر حِرصًا على تَصفِية مُقاتِلي هيئة تحرير الشام (النصرة) على أيدي الجبهة الجديدة التي أشرَفت مُخابراته على تأسيسها بقيادة العقيد فضل الله الحجي (قائِد عام)، ونائبه المقدم صهيب لبوش، رئيس مجلس قيادة الجبهة، ويَتردَّد أنّها تَضُم مِائة ألف مُقاتِل.

سوريا تعود بِقُوّة الى ما كانت عليه قبل سبع سنوات، وقَبل بِدء الحرب تَحديدا، بِسُلطةٍ مركزيّةٍ أكثر قُوّةً وصلابة، وهذا ما يُفَسِّر الحَركة النَّشِطَة في الحي الدبلوماسي بالعاصِمة دِمشق، حيث بدأت عمليّات تنظيف وترميم السفارات العربيّة والأجنبيّة، استعدادًا لإعادَة فتحها مُجدَّدًا مع استثناءاتٍ مَحدودةٍ ومُؤقَّتةٍ، ونَتْرُك الباقِي لفَهْمِكُم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى