جمال أكاديري
حولت التكنولوجيا الحيوية الحديثة والهندسة الوراثية فهمنا للحياة البشرية، ومهدت الطريق لإنشاء نموذج جديد لما بعد- الإنسان، ربما سنطلق عليه مستقبلا بالكائن الهجين. هذه التطورات تثير قضايا أخلاقية وسياسية واجتماعية ودينية مهمة. وعلى الرغم من خطورة مثل هذه التجارب المخبرية السرية، بقيت الديمقراطيات الغربية صامتة حول هذا الموضوع، وهو أمر مثير للقلق.
ومن الضروري فهم الآثار الأخلاقية والسياسية والإنسانية لهذا الإشكال الذي يمس جوهر وجودنا ذاته. إذ يتبين أن منذ القرن الماضي ترغب السياسة الحيوية في تجاوز إدارة الدورة الطبيعية لحياة الكائنات نفسها، بما في ذلك الصحة ومعدل المواليد، وعدم الاكتفاء بتدبير شؤونها فقط. فلقد صارت تمثل أبحاث التهجين الإنساني تغييرا مهما في السياسة الحيوية biopolitique، لأنه صار الآن يسمح بالتلاعب بالحياة العضوية البشرية، ومحاولة إصلاح أعطابها وتحسينها خارج حدودها الطبيعية. ومسألة التحويل الجيني والتغيير العضوي، هذه، تثير تساؤلات حول مدى حدود التجارب العلمية في التصرف في التكوين العضوي البشري، والآثار الأخلاقية والسياسية لهذه التطورات.
إن الإغراء العلمي لإنشاء نوع مصطنع لما بعد الإنسان أو إنسانية جديدة ترنو إلى تجاوز الضعف العضوي البشري، هو إيديولوجية متطرفة ورهيبة. ومسألة ما إذا كنا نريد أن نجعل الشخص أكثر إنسانية، أو إنشاء بدله نوعا آخر مهجنا وشبه مصطنع، عليه أن يحضر بحدة في قلب السجال الكوني، حول الإنسانية الجديدة التي تطرق أبواب مستقبل الجنس البشري.
كل هذا طبعا يعكس حيرة الديمقراطيات الغربية، بخصوص موضوع أخلاقي من هذا العيار، ويبرز فشل النباهة السياسية في تدبير مثل هذه الملفات الحساسة، وانعدام الشجاعة الأخلاقية. فمن الأهمية بمكان أن تتولى السياسات الدولية مسألة التكنولوجيا الحيوية، وتحديد الحدود المقبولة للهندسة الوراثية. وينبغي وضع التطورات التكنولوجية في خدمة الإنسانية، بدلا من تقديم مصالح التكنولوجيا التسويقية، وثيقة الارتباط بشراهة رساميل حيتان البورصات، فوق كل الاعتبارات القيمية.
ويثير تحول الإنسانية مستقبلا أسئلة مهمة حول حدود التلاعب الصناعي البشري ومعنى كنه الحياة البشرية. هل هناك تفكير عميق في مثل هذه القضايا المصيرية الحرجة، حتى نضمن استخدام التطورات التكنولوجية لصالح الإنسانية، وتسليمها إلى الأجيال القادمة بدون أعطاب؟
ومن ناحية أخرى، غالبا ما يتم استخدام العلم والتكنولوجيا كتبرير لسياسات محددة. رغم أنه تم انتقاد هذا الاتجاه، من خلال أطروحة فلسفية معروفة: حدود التكنولوجيا والعلوم باعتبارها إيديولوجية، والتي تسلط الضوء على حدود الشرعية القطاعية التي يقدمها تداخل العلوم التجريبية بطاحونة الاقتصاد. هذه الأطروحة ذات صلة وبشكل خاص بما يعتمل راهنا، مع تقدم التكنولوجيا الحيوية التي تخلخل علاقتنا بالطبيعة، غافلة طرح أسئلة أخلاقية وسياسية مهمة.
تصبو التكنولوجيا الحيوية إلى التحكم في أسرار الجينوم البشري لتحقيق أهداف محددة، لهذا مطلوب منا تفكير متعمق حول عواقب هذه التدخلات، قبل فوات الأوان، تتعلق جوهريا بالأسئلة الفلسفية والأخلاقية التي أثارتها التكنولوجيا الحيوية مند مدة، بشأن التلاعب بالطبيعة البشرية.
لذا فإن على السياسة العقلانية الاستحواذ على مسألة التكنولوجيا الحيوية، لتحديد الحدود المقبولة للهندسة الوراثية وضمان استخدام التطورات التكنولوجية في خدمة الإنسانية، وليس في خدمة المصالح الاقتصادية الشرهة.
ومن المهم التخلي عن الامتيازات والمصالح السوقية، لضمان استخدام التكنولوجيا الحيوية بطريقة أخلاقية وديمقراطية تشاركية في النقاش، وفقا للمبادئ الأساسية للمجتمع المستقبلي الذي نحلم به. فمسألة التكنولوجيا الحيوية تثير أسئلة أوسع حول كيفية استخدام العلم والتكنولوجيا في مجتمعاتنا الحديثة، ودورهما في تفادي الانقراض أو تجنب الكارثة.