الهدر
كشف رئيس الحكومة، في كلمته خلال جلسة المساءلة الشهرية، أول أمس بمجلس النواب، أن نسبة الهدر الجامعي بدون الحصول على دبلوم بلغت في الفترة الماضية ما يقارب 49 في المائة. وفي تدخلات البرلمانيين تم تداول أن أكثر من 200 طالب يتساقطون سنويا دون الحصول على الإجازة. ولا نبالغ بالقول إن هاته الأرقام المخيفة ربما هي الأقل ضررا مقارنة مع الأعطاب التي تعيشها الجامعة والبحث العلمي.
والطامة الكبرى أن الجميع يعلم منذ عقود مشاكل الجامعة التي تحولت إلى فضاء للرقص والنقاط مقابل ممارسات أخرى، بل هناك إجماع وتطابق في التشخيص بين الأغلبية والمعارضة، وبين الحكومة والمؤسسات الدستورية. ومع ذلك ظل إصلاح التعليم العالي مجرد خطاب حول الإصلاح وفي أحسن الأحوال القيام بـ«بريكولات» للإصلاح كانت فقط تزيد من تعميق الأمراض دون استئصالها.
والمؤسف حقا أننا اعتمدنا الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم وصادقنا على القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وكلها وثائق مرجعية وافق عليها الملك محمد السادس، لكن، بعد مرور خمس سنوات من اعتماد هذه المرجعيات، ما زلنا نتحدث عن التشخيص ونتباكى عن أحوال وأهوال التعليم، فيما كان من المفترض اليوم أن نقيم ممارسة الخمس سنوات من تنزيل قانون الإطار، لكن للأسف الهدر ليس ظاهرة في التعليم العالي بل ظاهرة رهيبة في تدبير السياسات العمومية.
لذلك فإن ما أعلن عنه رئيس الحكومة من نوايا حسنة وتدابير لإصلاح جامعتنا وإخراجها من وحل الفساد والاختلالات والهدر وأعطاب أخرى، أمر جيد والجامعة في أمس الحاجة إليه للخروج من قاعة الإنعاش، لكنه يحتاج إلى التنزيل السريع والجريء لبلوغ الجامعة التي بإمكانها أن تجر البلد إلى الأمام بدل أن تشدنا للخلف والتخلف، وطبعا هذا لن يكون دون الخروج من زمن الخطاب إلى زمن الفعل، من سياسة القطاع إلى السياسة الاستراتيجية للدولة ومن جعل الجامعة حطبا في نار الصراعات السياسية إلى جعلها فاعلا وخادما للتنمية والعدالة الاجتماعية.