الهجرة في أمريكا تناقضات ودروس
جيمس زغبي
يونيو هو شهر ميراث الهجرة، إنه الوقت الذي نتأمل فيه قصتنا الأمريكية بكل تعقيداتها. إنها قصة عامرة بالتناقضات التي يجب الاعتراف بها، ومليئة أيضا بالدروس التي تستجدينا لنتعلم منها. ففي جانب، هناك القيمة المثالية التي يجسدها تمثال الحرية بكلماته المغوية التي تقول: «أعطوني المتعبين والفقراء والجماعات المنهكة التواقة للتنفس بحرية، التعساء الذين يلقي بهم شاطئكم الزاخر. أرسلوا هؤلاء، الذين بلا مأوى والضائعين في العاصفة، إنني أرفع مصباحي بجانب الباب الذهبي».
واستجاب ملايين الأشخاص من كل أركان الأرض لهذا النداء في مسعى للحصول على ملجأ وفرص في الحياة. ورغم الصعوبات المبدئية، يرى كثيرون أن قصتهم الأمريكية كانت حكاية استثنائية من القبول والتحول تستحق الاعتراف بها. فقد كان جيسي جاكسون مغرما بالقول إن أمريكا عبارة عن قماشة مرقعة تضم ألوانا كثيرة. انظروا إلى الناس الذين تتألف منهم أمتنا، وانظروا إلى ثقافتنا. فهل يستطيع أحد التحدث عن الطعام الأمريكي والأزياء الأمريكية وروح الدعابة والموسيقى الأمريكية، دون أن يرى تأثيرا عميقا للطليان والإيرلنديين والاسكتلنديين والفرنسيين والصينيين واليهود والأفارقة واللاتينيين والعرب، وغيرها الكثير من التأثيرات الأخرى؟ لكن كثيرا من هذه الجماعات نفسها تتعرض للاحتقار وتكافح في مواجهة التمييز، رغم أنهم تركوا بصمتهم التي لا تمحى على أمريكا.
وفي الوقت نفسه، يتعين علينا الاعتراف بالجانب المظلم من قصتنا. إن فكرة أمريكا في حد ذاتها تكونت من خطيئتين أصليتين، وهما الإبادة الجماعية والعبودية. فمنذ الوقت الذي وصل فيه أوائل المهاجرين، أو المستعمرين، وحتى وقت مبكر من القرن الماضي، انهمكنا في سرقة أراضي الشعوب الأصلية وتصفيتهم. وعلى مدار عقود، استقيت ثروة أمريكا من كد العبيد وعملهم. والتركة المستمرة من العنصرية أدامت حالة من التشوه الاقتصادي. وعلى خلاف أوروبا، حيث يشكل المهاجرون الجدد طبقة دنيا، يجد المهاجرون أن طبقة دنيا موجودة سلفا تمكنهم من مزايا في الحراك الاقتصادي والاجتماعي.
لكن صور العنصرية والتمييز ظهرت في كل موجة جديدة من المهاجرين، وتضمنت غالبا حركات عنيفة من المتعصبين، الذين سعوا لوضع تعريف لأمريكا يجعلها ملكهم وحدهم. ومن ثم، عانى الإيرلنديون والطليان واليهود وشعوب شرق أوروبا والصينيون واليابانيون والعرب وآخرون من التمييز والصور النمطية العنصرية والاستبعاد. ومن المهم، الاعتراف بهذا حتى نفهم أن التجربة المعاصرة للمهاجرين اللاتينيين والأفارقة والآسيويين والعرب لها مقدمات في تاريخنا.
وفي شهر الاحتفال بالهجرة، وقبل عقد من الزمن، أشار عدد من أعضاء الكونغرس باعتزاز إلى أننا أمة المهاجرين، واستنكروا التعصب وجهود استبعاد بعض جماعات المهاجرين. واستهجنوا هذه التصرفات باعتبارها «لا تتوافق مع تاريخنا كأمة مرحبة».
وحين جاء دوري في الكلام، كانت لدي تحفظات على هذه التعليقات. نعم، نحن أمة مهاجرين نستمد إلهامنا من القصيدة المرحبة المنقوشة على قاعدة تمثال سيدة الميناء (تمثال الحرية). لكني أذكرهم أننا أيضا أمة عاملت السود وسكان أمريكا الأصليين في غاية السوء. ونحن الأمة التي ظهرت فيها عبارات مثل «غير مسموح للإيرلنديين بالتقدم». ونحن الأمة التي أقرت قانون «استبعاد الآسيويين». ونحن الأمة التي سرقت ممتلكات الأمريكيين اليابانيين وأرغمتهم على الإقامة الجبرية. كما قتلنا أمريكيين إيطاليين من دون محاكمات، واضطهدنا اليهود باعتبارهم اشتراكيين ومخربين. فكلا جانبي قصتنا صحيح ويجب الاعتراف به. وإذا تقاعسنا عن الاعتراف بالجانب المظلم والدروس المستفادة منه، فإننا نعرض أنفسنا لتكرار خطايا الماضي. وفي الوقت نفسه، إذا تقاعسنا عن الاعتراف بمثالياتنا، فإننا قد نستسلم لليأس ولا ندرك أنه بمقدورنا القيام والتصدي لتحدي التعصب، كما فعلنا في كل عصر، كي نعد مكانا جديدا في طاولة الترحيب في أمريكا للذين يسعون إلى الحصول على ملجأ وفرص.