النقل المدرسي
فشلت كل وعود مجانية خدمات النقل المدرسي بالمناطق القروية، وحددت شركات التنمية الإقليمية للنقل المدرسي المبالغ المالية التي يجب أن يدفعها آباء وأولياء التلاميذ، مقابل الاستفادة من خدمات كان يجب أن تكون مجانية، ما ضاعف من معاناة الأسر الفقيرة وتلك التي تعيش الهشاشة بالمناطق النائية، حيث تعني لها التزامات مالية شهرية تتراوح بين 150 درهما و500 درهم الكثير في ظل نار الأسعار التي أتت على مدخرات الأسر، وتواصل تأزيم الوضع الاجتماعي لشريحة واسعة من المجتمع.
هناك خصاص مهول في أسطول سيارات النقل المدرسي بالعالم القروي وشبه الحضري، حيث يتم الاعتماد على جمعيات لتدبير القطاع الحساس، كما تم اللجوء إلى إنشاء شركات للتنمية الإقليمية بشكل متعثر من الأصل، ويسائل السلطات الوصية، دون أن ينفع ذلك في تخفيف الاكتظاظ بسيارات النقل المدرسي، ومشاكل غياب شروط السلامة والوقاية من الأخطار والحوادث المميتة، وطول المسافات بين المنازل والمؤسسات التعليمية.
إن بعد المسافة بالعالم القروي بالنسبة إلى النقل المدرسي، يزيد من مضاعفاتها غياب العدد الكافي من السيارات والتقشف في الصيانة والمحروقات لضعف الميزانية والتدابير الترقيعية، حيث هددت بعض الجمعيات التي تشرف على تسيير القطاع مرات متعددة بالتوقف عن العمل، بسبب غياب الدعم المالي أو تعثره، وهو الشيء الذي يستلزم الإسراع بإخراج شركات تنمية إقليمية إلى الوجود، مع الصرامة في تتبع تمويلها وعملها وهيكلة شاملة لقطاع النقل المدرسي.
مع مغرب المونديال والمشاريع المهيكلة الضخمة، والتطلع إلى منافسة الدول الكبرى في قطاعات متعددة، كالصناعة والفلاحة والرياضة والتجارة، لا يمكن القبول بتأخرنا عن ركب العالم في جودة التعليم كحق دستوري، لذلك يرفض الجميع الصور التي تم تناقلها لحمل تلاميذ في عربة يجرها حصان كبديل عن غياب النقل المدرسي، علما أن هناك ميزانيات ضخمة من المال العام تصرف في مجالات خارج تحديد الأولويات بدقة من قبل المسؤولين، سواء من تم انتخابهم، أو تعيينهم بقرارات أو ظهير شريف.
إن استمرار أزمة النقل المدرسي يؤدي مباشرة إلى هدر الزمن المدرسي والهدر المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة، خاصة في صفوف الإناث بالعالم القروي، كنتيجة طبيعية لصعوبات وإكراهات التنقل، والتكاليف المرهقة للأسر الفقيرة وفي وضعية هشاشة، والمساهمة الإلزامية مع الجمعيات، أو شركات التنمية الإقليمية، أو حتى كراء سيارات من قبل مجموعة من التلاميذ بشكل شهري طيلة الموسم الدراسي لتجاوز الأزمة.
على القطاعات الحكومية والمجالس الجهوية والإقليمية والجماعية العمل وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، لهيكلة قطاع النقل المدرسي وتعميم مجانيته، وتحديث أسطول النقل وتكوين السائقين والمساعدين، مع تجاوز مشكل الاكتظاظ، والقيام بالصيانة اللازمة للسيارات، وتوفير أجواء نقل مدرسي إيجابي لتحقيق الظروف المناسبة لتعليم جيد لأطفال المغاربة بالقرى، وضمان تكافؤ الفرص، وهو حق دستوري وليس انتظار صدقة من مؤسسة أو مسؤول، كما أن الأمر سبق وكان محط تعليمات ملكية سامية، ومساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في سد عجز التمويل والخصاص، وتنصل المنتخبين من وعودهم المعسولة والتزاماتهم مع الناخبين.
على كافة المصالح الحكومية والمؤسسات المعنية أيضا، توسيع طاقة استيعاب الداخليات بالمؤسسات التعليمية ودور الطالب والطالبة، لضمان سكن واستقرار التلاميذ الذين يقطنون بمناطق قروية نائية، ويصعب وصولهم إلى المدارس، شأنهم في ذلك شأن الفئة التي تعاني عند تسجيل تقلبات الطقس وفصل الشتاء، ما يتسبب في ارتفاع هدر الزمن المدرسي وغياب تكافؤ الفرص، واضطرار العديد من التلاميذ إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة، حيث تصبح هذه الفئة في حالة فراغ وبدون بوصلة توجهها للتكوين وبناء الأمل في المستقبل، وهي الفئة نفسها التي تحركها شائعات الهجرة السرية، ويسهل انقيادها من المتربصين بمصالح الوطن.