النفق التونسي
لم يستطع الشعب التونسي إتمام الفرحة بالميدالية الذهبية التي فاز بها السباح الشاب أحمد الحفناوي، بعدما تحولت الفرحة في اليوم ذاته إلى نار من الاحتجاجات وأعمال الشغب والعنف، انتهت بإعلان رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد عن حالة الاستثناء، وتوليه السلطة التنفيذية مع إعفاء رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي وتجميد عمل مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب وترؤسه النيابة العمومية مع إحالة كل من تعلق اسمه بملف أو قضية وإعلانه بأن لا علوية فوق علوية القانون.
ودون الخوض في شكليات ومضامين الإعلان الدستوري، فإن ما حدث في تونس كان أمرًا متوقعا، خصوصا وأن الرئيس قيس السعيد لمح مرارا لسيناريو اللجوء إلى ما يسميه بـ«الصواريخ الدستورية»، في ظل نظام سياسي هجين، يسيره ثلاثة رؤساء بمرجعيات مختلفة واختصاصات متداخلة وغير واضحة، كل رئيس يرى في نفسه القدرة الدستورية في اتخاذ القرار بناء على فهم معين للدستور الذي تحول إلى «شاهد ما قالش حاجة».
ومنذ عشر سنوات على ما سمي بـ«ثورة الياسمين» التي أسقطت الرئيس بنعلي دخلت تونس في نفق مظلم حاول البعض تسويقه على أنه نموذج سياسي ديمقراطي، وتبين بعد عقد من الزمن أن التونسيين يتقدمون بشكل حثيث وسريع نحو الوراء، فهم لم يلمسوا من الطبقة السياسية الحاكمة التي يديرها الإسلاميون ما يجعلهم يتمنون بقاءها، بل ما طغى هو العجز في السياسات الاجتماعية والفساد في الحياة العامة، والفشل في استكمال دستور الثورة وعدم الاستقرار في بنية النظام حيث حطمت تونس الرقم العالمي في عدد الحكومات التي وصلت إلى 14 حكومة في أقل من عشر سنوات.
والخلاصة التي انتهى إليها الشعب التونسي أن الحكومة والبرلمان والطبقة السياسية انشغلوا بالمناكفات السياسية وتصفية الحسابات بينما رميت مصالح الشعب في القمامة، ثم جاء وباء كوفيد 19 ليسقط نصف ورقة التوت التي ظلت تغطي عورة التيه السياسي التونسي، ليزيدا من عمق أزمة الثقة بين الغالبية العظمى من الشعب والطبقة الحاكمة.
لقد أظهر ما جرى ليلة الأحد من احتجاجات وقرارات، أن تلك الصورة الوردية التي تم تسويقها عن تونس الديمقراطية التي تتعايش تحت سقفها حركة النهضة والإخوان المسلمين وحركات علمانية ليبرالية ليست سوى بيع للوهم وشرعنة لزعزعة الأنظمة السياسية التي لا تخدم مصالح بعض الدول الكبرى، وأن الحقيقة الساطعة مثل الشمس هي أن الشعب التونسي ضاق ذرعا بما يحدث، وأن البلد على حافة التحول إلى دولة فاشلة.
اليوم دخلت تونس مغامرة جديدة لا نعلم كيف ستخرج منها ولا متى ستفعل ذلك، ولا أحد يعرف نتائجها المحتملة، لكن بدون شك سيكون لها ما بعدها، خصوصا مع تنامي القناعة لدى شعوب الدول العربية بأنه حان وقت التخلص من شؤم الأحزاب الإسلامية التي لم يخلف تدبيرها للحكومات والبرلمانات سوى التبعية للخارج والإحباط والدمار والخراب والمآسي الاجتماعية التي آن الأوان لأن توضع لها نقطة نهاية والعودة للسطر.