النظام السوري ارتكب بحصاره مضايا والزبداني إثما يستحق الإدانة
تعرضت الحكومة السورية لهجمات إعلامية شرسة بسبب حصارها لمدينة مضايا في ريف دمشق، ووفاة بضع عشرات من أبنائها جوعا لنقص المواد الغذائية، ونشرت محطات تلفزيونية عربية صورا مرعبة لبعض الضحايا، تبين لاحقا أنها مفبركة، الأمر الذي ذكرنا بأكذوبة «شهود العيان» في بداية الأزمة السورية.
استخدام سلاح الحصار والتجويع من قبل السلطات السورية، أو أي سلطات أخرى في أي مكان، مدان بأقوى العبارات، وهذه الإدانة سواء صدرت منا، أو أي جهة أخرى، لن تغير من الواقع كثيرا، فسجل هذه السلطات في ما يتعلق بحقوق الإنسان ليس ورديا على الإطلاق.
الحكومة السورية تجاوبت فورا مع الضغوط الإعلامية والدولية، وقررت رفع الحصار، والسماح لقوافل الإغاثة بالدخول إلى المدينة، اعتبارا من الاثنين الماضي، الأمر الذي ربما يضع حدا لهذه المأساة الإنسانية البشعة.
اللافت أن هذه الحملة الإعلامية الضخمة التي شنتها محطات تلفزة التحالفين العربي والإسلامي، ترامنت مع تصاعد حدة التوتر السعودي الإيراني على أرضية إعدام الشيخ نمر باقر النمر، وإقدام بعض المتشددين الإيرانيين بإيعاز جهة في الحكومة الإيرانية باقتحام السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد وحرقهما كرد انتقامي مباشر على هذا الإعدام.
محطات التلفزة نفسها التي ملأت شاشاتها بصور الضحايا، التي تبين رسميا فبركتها، ولم تبث وكالات الأنباء العالمية المحترمة أي منها، قالت لنا إن الحصار على مدينة مضايا والزبداني جرى فرضه قبل 200 يوم، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن المدة، ولماذا أفاقت عليه فجأة الآن؟
نحن مع استخدام كل الوسائل الممكنة لكسر الحصارات على المدنيين، ونؤكد أن من واجب الإعلام لعب دور كبير في هذا الخصوص، وأحسنت صنعا هذه المحطات التلفزيونية عندما لفتت أنظار العالم إلى هذه المأساة، وساهمت فعلا في التسريع بوضع حد لها، ولكن ما نشك فيه، ونعترض عليه هو «الفبركة» من أجل تحقيق أهداف سياسية، وتوظيف صور مزورة في هذا الخصوص، والخلط بين ما هو سياسي وما هو إنساني الأمر الذي يعطي نتائج عكسية تماما، وهذا ما حدث.
قبل الغارات الجوية على العراق في يناير عام 1991، جرى تكرار الأسلوب الدعائي نفسه، ولا زلنا نذكر تلك البطة المسكينة التي كانت مغطاة بالنفط الخام على شواطيء الخليج من جراء ضخ نظام الرئيس صدام حسين عشرات الأطنان في مياه الخليج لتلويثه، لنكتشف بعد ذلك أن هذه البطة هي بطة ألاسكية (من ألاسكا)، والشاطئ الذي ترتعد بردا عليه هو أحد شواطئ البحيرات في ألاسكا أيضا، ولا ننسى في هذه العجالة الفتاة نيّره ابنة الشيخ سعود ناصر الصباح سفير الكويت في حينها التي ادعت أنها ممرضة كانت تعمل في أحد مستشفيات الكويت، وشاهدت بأم عينها الجنود العراقيين ينتزعون الأطفال الخدج من حاضناتهم، ويلقون بهم على الأرض، دون رحمة أو شفقة، ويسرقون هذه الحاضنات.
مرة أخرى نؤكد أننا ندين حصار النظام السوري مضايا والزبداني، مثلما ندين براميله التي يلقيها على معارضيه المسلحين، وتدمر أحياء مدنية، مع تسليمنا في الوقت نفسه أن هذه المعارضة المسلحة أيضا تقصفه، وجنوده، والأحياء السكنية الخاضعة لسيطرته بالصواريخ أيضا، وتقتل مدنيين، فهذه حرب، الجميع يقتل فيها دون أي استثناء، مع فوارق لا ننكرها في أي مقارنة بين الجانبين، ولكن من حقنا أن نسأل عدة أسئلة:
الأول: طائرات التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة التي تزدحم بها الأجواء السورية قامت بأكثر من ثمانية آلاف غارة حتى الآن، وألقت آلاف الأطنان من القنابل على مواقع «الدولة الاسلامية» في الموصل والرقة والرمادي، فلماذا لم تقصف أهل مضايا والزبداني بأطنان الأغذية والأدوية.
الثاني: طائرات تلفزيونات التحالف العربية تشارك في هذه الغارات، وقصفت، وتقصف الآبار والشاحنات النفطية التي تسيطر عليها قوات «الدولة الاسلامية»، فلماذا لم تتعطف هي وقيادتها، وتسقط بعض شحنات الأسلحة للمحاصرين السوريين.
ثالثا: لم نسمع مطلقا، ولم نشاهد أيا من المسلحين المحاصرين يتضور جوعا، وتبرز عظام قفصه الصدري، فهل هذا من قبيل الصدفة؟
ربما يجادل البعض بأن منطقة مضايا تقع تحت سيطرة القوات السورية، وقد تتعرض أي طائرات تسقط شحنات من الأسلحة إلى الدفاعات الجوية للنظام السوري، مثلما قال أحد المتحدثين العسكريين البريطانيين لصحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية، ردا على سؤال لها، حول عدم تدخل طائرات بلاده لإنقاذ الضحايا تحت الحصار.
هذا الجدل مردود عليه بالقول أن هناك أكثر من 500 طائرة بطيار أو بدونه، ومروحيات من كل الأنواع تجوب الأجواء السورية منذ عامين تقريبا بحجة محاربة «الدولة الاسلامية»، ولم تتعرض أي منها لرصاصة واحدة من هذه الدفاعات السورية المنتهية الصلاحية التي لم تسقط طائرة اسرائيلية واحدة منذ أربعين عاما.
الأكثر من ذلك أن مضايا تبعد ستة أميال عن الحدود اللبنانية، والوصول إليها يحتاج إلى أقل من بضعة ثوان جوا، ولا نعتقد أن الصواريخ السورية متقدمة مثل نظيرتها التركية التي أسقطت الطائرة الروسية من طراز سوخوي.
للمرة الألف نقول أننا ندين كل أنواع الحصارات سواء التي يفرضها النظام السوري على شعبه ومدنه، أو تلك التي يفرضها تحالف «عاصفة الحزم» في اليمن، أو التحالف «الحوثي الصالحي» على تعز، لأننا ضد سفك دماء الإنسان العربي والمسلم، والضحايا في النهاية بشر، وهم أهلنا ومعظمهم أبرياء في الجانبين، ولكننا، ومن منطلق مهني وأخلاقي، ندين في الوقت نفسه الانتقائية والفبركة الاعلامية أيا كانت الجهة التي تقف خلفها.
وحتى «فبركات» جديدة في إطار حملات التضليل الإعلامي السائدة هذه الأيام نقول إلى اللقاء.