بعد انتظار دام لأشهر، قررت وزارة التربية الوطنية، حسب مصادر مسؤولة، خاصة بجريدة «الأخبار»، إلغاء مباراة المتصرفين التربويين، وذلك لأول مرة منذ البدء في هذا النوع من التكوينات داخل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. وسبب هذا الإلغاء، حسب المصادر نفسها، هو الغموض الناتج عن عدم صدور مرسوم خاص بهيئة المتصرفين التربويين، وآخر خاص بهيئة الموجهين والمخططين، تم احتجازهما منذ ولاية حكومة العثماني، لأسباب يقف وراءها حزب العدالة والتنمية. لتتكرس الهشاشة الوظيفية لهذه الهيئة بالنظام الأساسي المثير للجدل.
احتجاز مرسومين
قررت وزارة التربية الوطنية إلغاء ثلاث مباريات تهم ثلاث هيئات هي المتصرفين التربويين الذين يتم تكوينهم في المراكز الجهوية، وكذا هيئتي المفتشين والموجهين والمخططين. وذلك بسبب المصير المجهول الذي تعرض له مرسومان حاسمان وقع عليهما وزير التربية الوطنية السابق سعيد أمزازي، وتمت المصادقة عليهما من طرف حكومة سعد الدين العمثاني.
عدم صدور هذين المرسومين، واللذين ينظمان هيئتي المتصرفين التربويين وكذا الموجهين والمخططين خلف احتجاجات كثيرة نظمها المنتسبون لهذه الهيئات في السنتين الأخيرتين، بسبب الغموض الذي يعتري الوضعيات الإدارية والمالية لهاتين الهيئتين. الأمر الذي دفع الإدارة المركزية إلى تأجيل الإعلان على المباريات الخاصة بها، والتي جرت العادة أن يتم الإعلان عنها قبل متم السنة الدراسية والتكوينية.
شكيب بنموسى، في لقائه مع كبار مسؤولي الوزارة في بحر الأسبوع الماضي، اطلع بالتفاصيل على المشكلات التي تتخبط فيها هذه الهيئات، والمرتبطة أساسا، من جهة بعدم صدور مرسومين حاسمين ينظمان وضعيات المنتسبين لهما، وأيضا لعدم وضوح العلاقة بين المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من جهة، والأكاديميات الجهوية من جهة أخرى.
قبل أكثر من سنتين حسم الوزير السابق سعيد أمزازي في تبعية هذه المراكز، على الأقل من جهة الوضعية المالية، للأكاديميات الجهوية، في مقابل شبه استقلالية بيداغوجية، رغم إصرار المسؤولين المركزيين على ممارسة الوصاية البيداغوجية على هذه المراكز. لكن في مقابل هذا، يعيش متدربو المراكز الجهوية، وتحديدا متدربي مسلك الإدارة التربوية حالة غموض كبيرة، وخاصة في السنة الثانية المخصصة للتداريب. إذ في الوقت الذي يؤكد فيه هؤلاء على أنهم تابعون للمراكز، أي أنهم مجرد متدربين لم يتم ترسيمهم كمتصرفين تربويين بعد، نجد بعض الأكاديميات تقوم بتعيينهم بحسب الخصاص الذي تعاني منه المؤسسات التعليمية التي تقع تحت وصايتها، وتسنتد إليهم مهام كاملة دون إشراف. الأمر الذي سبب توترا كبيرا بين هؤلاء المتدربين والمديريات الإقليمية، وكان من تجلياتها خوصهم إضرابات متواصلة في الأسابيع الأخيرة.
متصرفون مع وقف التنفيذ
قبل سنتين تقريبا، أقدمت وزارة التربية الوطنية على تعديل المقتضيات القانونية المتعلقة بملف المتصرفين التربويين وعرضها على مسطرة المصادقة من طرف القطاعات الحكومية المعنية. وتمثلت التعديلات التي تقدمت بها في اعتماد نظام تكوين تستغرق مدته سنتين بدل سنة واحدة بالنسبة لمسلك الإدارة التربوية، تتوج بالحصول على دبلوم متصرف تربوي من الدرجة الأولى، ووضع إطار متصرف تربوي من الدرجة الثانية في طور الانقراض والاقتصار على درجتين فقط (الدرجة الأولى والدرجة الممتازة).
وتحمل سلة التعديلات هذه، تعيين إطار متصرف تربوي من الدرجة الأولى، من بين الحاصلين على الدبلوم المشار إليه أعلاه، والمسلم من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، مع اقتراح صيغة لإدماج خريجي مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية منذ سنة 2015، ومعالجة الوضعية الإدارية لخريجي مسلك الإدارة التربوية منذ سنة 2015، من أجل أداء المستحقات المالية الناتجة عن مزاولة مهام الإدارة التربوية؛ منح سنتين كأقدمية اعتبارية للمعنيين بالأمر عند تغيير الإطار دون تغيير السلم.
كما تضمن مرسوم هذه الهيئة تسوية وضعية المزاولين لمهام الإدارة التربوية دون الخضوع للتكوين بمسلك الإدارة التربوية، عبر إصدار قرار وزاري وبالإضافة إلى هذه الإجراءات، فإن لوائح المترشحين إلى الترقية بالاختيار المتعلقة بإطار متصرف تربوي سيتم عرضها على أنظار اللجنة المختصة خلال الأيام القليلة المقبلة.
من جهتهم، يعتبر الموجهون والمخططون أن المدخل الوحيد لحل ملف الهيئة هو توحيد الإطار (مستشارون ومفتشون) في إطار واحد مفتش في التوجيه أو التخطيط بمدخلاته الثلاث المتلازمة، أولها تغيير الإطار بالأقدمية لجميع أفواج المستشارين خريجي المركز ما بعد 2004 إلى إطار مفتش في التوجيه أو التخطيط بعد الترقي إلى السلم 11 إسوة بالأفواج السابقة.
وثاني تلك المداخل، ترقية استثنائية للمستشارين القابعين في الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، بشكل فوري وبأثر رجعي مالي وإداري، وبدون قيد أو شرط، مع حذف إطار مستشار في التوجيه أو التخطيط، ثم ثالثا تغيير مرسوم مركز التوجيه والتخطيط التربوي بما يسمح بالتخرج بإطار مفتش في التوجيه أو التخطيط فقط. وفي هذا الصدد، طالبت النقابة الوزارة الوصية بمماثلة تعويضات أطر التوجيه والتخطيط التربوي بنظيرتها لدى أطر التفتيش التربوي بما أن الإطارين لهما نفس المدخلات ونفس المسار، وبما يحقق العدالة الأجرية، داعين إلى إجراء حركة انتقالية استثنائية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي، بعد إشهار كل المناصب الشاغرة.
نافذة:
عدم صدور مرسومين ينظمان هيئتي المتصرفين التربويين والموجهين والمخططين خلف احتجاجات كثيرة نظمها المنتسبون لهما في السنوات الثلاث الأخيرة
/////////////////////////////////////////////
من يتابع أوضاع المغرب من بعيد، كما هو الحال معي، لا بد وأنه يقف مستغربا من درجة التشنج الحاصلة اليوم في العلاقة بين رجال التعليم ووزارتهم الوصية. فالظاهر أن أغلب الأساتذة يعبرون اليوم عن أنفسهم عبر تنسيقيات مع ما يعني ذلك من فقدان للثقة في التمثيليات النقابية.
مشكلة التعليم.. قضية عالمية
الإضراب المستمر وحس المسؤولية لدى من يساهم في تمطيطه
بدون الدخول في حيثيات الصراع لا بد من استيعاب أن من يدفع ثمن هذا الخلاف هو فئة عريضة من التلاميذ الذين لاخيار لهم سوى اللجوء للمدرسة العمومية وذلك لأسباب اقتصادية محضة. الميسورون لا يعانون نهائيا لأن المدارس الخاصة مفتوحة ومستمرة في تكوين أبنائهم.
كلما عدت إلى المغرب وهو الأمر الذي أقوم به باستمرار خلال السنوات الأخيرة تترسخ لدي فكرة أن بلادنا تتنازعها عقليتان متناقضتان حتى في التعامل مع أبسط القضايا. هناك مغاربة يبنون في بلاد تتطور بسرعة مذهلة وهناك آخرون يحملون معاولهم لهدم كل ما هو إيجابي. بالطبع هذا الهدم يتشح بأروع الشعارات وأكثرها جاذبية كي يبرر قدرته الهائلة على تخريب كل شيء جميل في البلاد. الإضراب المستمر لقطاع حيوي يمس مستقبل البلاد كما هو الحال مع قطاع التعليم هو دليل على انعدام أي مسؤولية لدى كل من يساهم في تمطيطه عوض البحث عن حلول عملية تجنب البلاد كارثة ترك التلاميذ بدون دراسة أو تكوين.
لست هنا لإلقاء اللوم على أي كان أو توجيه أصابع الاتهام للنقابات، للحكومة أو لرجال التعليم و»تنسيقياتهم». فأكيد أن كل واحد يعتقد بأنه على حق وأن اختياراته صائبة ولكن ما هو واضح ويبدو أن الجميع أغفله في خضم عملية لي الذراع بين ممثلي رجال التعليم ومسؤولي القطاع أن الضحية الحقيقية هم التلاميذ المتحدرون من الطبقة الفقيرة.
لدي انطباع كذلك أننا في المغرب نعتقد أن مشكلة التعليم هي حكر علينا ناسين أنها قضية عالمية. لا تخلو أي دولة في العالم من صراعات مرتبطة بقضايا مشابهة لما نراه نحن اليوم. الفارق الحقيقي، خاصة في الدول المتقدمة، هو أن الدول الأخرى لم ولا تفرط في تعليمها العمومي كما فعلت وتفعل حكوماتنا المتوالية. كل المجتمعات تواجه المشاكل نفسها مع قطاع يتميز بحيوية منقطعة النظير، كما هو الحال مع قطاع التعليم ولكن بمنطق التعامل مع منظومة متكاملة وليس الوقوف عند بعض المطالب المادية أو بعض الامتيازات «المكتسبة».
لذلك فالاحتجاجات في الدول التي يجب أن تكون نموذجا يقتدى به بالنسبة لنا تأخذ منحى يتعامل مع تشدد الحكومات بكثير من الروية والحكمة كي لا تكون النتائج عكسية. الحكومة المغربية وعوض حل المشكل، فهي تريد لمعلم المدرسة العمومية أن يفقد تأييد الرأي العام وذلك عبر استمرار التلاميذ خارج أسوار المدارس بكل ما سيولد من استياء وتذمر لدى أولياء أمورهم.
في السنوات الأخيرة، شهدت العديد من البلدان حول العالم إضرابات في قطاع التعليم، وكثيرًا ما أثارت هذه الإضرابات جدلًا حول تأثيرها على الطلاب والعملية التعليمية. لنأخذ بعض التجارب الدولية في التعامل مع إضرابات المعلمين والأساتذة وكيف يمكن أن تكون نموذجا بديلا عن «شدلي نقطعلك» الذي تعرفه بلادنا والذي يبدو أنه يسير بنا نحو الهاوية.
فنلندا مثلا وهي من الدول الرائدة في التعليم، لجأ فيها المعلمون إلى الاحتجاج الرقمي، حيث استخدموا منصات التواصل الاجتماعي للدفاع عن قضاياهم، وهذا مكنهم من الاحتفاظ بدورهم التعليمي مع الاستمرار في التعبير عن مطالبهم.
في كندا أو في إيطاليا يتم اعتماد نهج الإضراب الجزئي. فبدلاً من الإضراب الكامل، يقرر المعلمون الإضراب لفترات محددة، مما يسمح بالتقليل من التأثير على الطلاب ويعطي المعلمين فرصة للتفاوض مع الحكومة.
اليابان وبثقافتها القوية في الحوار والتفاوض، يتم تشجيع الحوار المستمر بين المعلمين والحكومة لحل الخلافات من خلال مفاوضات بناءة دون الحاجة إلى إضرابات مطولة.
في السويد، يتم تنظيم أنشطة تعليمية وتوعوية داخل المدارس لشرح أهمية النضال من أجل حقوق المعلمين وتأثيرها على جودة التعليم. هذا النهج يساعد في خلق تفهم وتعاطف مع قضاياهم.
الأمثلة كثيرة وموجودة حتى في دول أقل تقدما منا يمكن لممثلي قطاع التعليم في بلادنا اتخاذها كمسار بديل عن «تهراس الأسنان» في صراعها مع الحكومة والذي أثبت عدم نجاعته لحد الآن والذي يدفع ثمنه الضعفاء فقط، مثل العادة.
/////////////////////////////////////////////
متفرقات:
ميزانيات الجامعات المغربية تجر ميراوي للمساءلة
طالبت البرلمانية ثورية عفيف، وزير التعليم العالي عبد اللطيف ميراوي، بالكشف عن الإجراءات التي سيقوم بها من أجل معالجة عدم توصل جامعات بميزانياتها السنوية، حرصا على مكانة ودور الجامعة كقاطرة التنمية للبلاد. وأفادت عفيف في سؤال كتابي وجهته للوزير الوصي على القطاع، بأن عددا من الجامعات المغربية لم تتوصل بعد، بميزانياتها المخصصة لها برسم السنة الجارية 2023، والتي أشرفت على نهايتها، وذلك بسبب عدم التأشير عليها من طرف المصلحة المالية للوزارة، وذلك في الوقت الذي يجب التأشير عليها في بداية السنة.
وأضافت أن هذا الوضع المختل أثار استغرابا غير مسبوق، حيث ظلت الجامعات تعيش أزمة مالية خانقة، أربكت وضعية تدبير شؤونها، مما أثر سلبا على سير عملها. وكانت بعض المنابر الإعلامية المغربية، قد أشارت إلى أنه لم يتم التأشير على الميزانية المخصصة للجامعات العمومية لسنة 2023، من طرف المصالح المالية لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، رغم أن السنة الحالية تشارف على الانتهاء، في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يتم هذا الإجراء في بداية العام الجاري أو في منتصفه على أقصى تقدير.
إضراب في النصف الثاني من الأسبوع لتجنب حراسة مباراة التعليم
أعلن التنسيق الوطني لقطاع التعليم، خوض إضراب وطني أيام الأربعاء، الخميس، الجمعة، السبت13 ،14، 15،16 دجنبر الجاري. ودعا التنسيق إلى تنظيم أشكال احتجاجية أمام مقر المديريات الإقليمية أو الأكاديميات الجهوية يوم الخميس 14 دجنبر 2023 على الساعة الحادية عشرة صباحا. كما قررت التنسيقية في بلاغ لمجلسها الوطني، تنظيم وقفات احتجاجية أمام الأكاديميات الجهوية أو المديريات الإقليمية، يوم الخميس 14 دجنبر على الساعة 11 صباحا، مع مواصلة الوقفات بالمؤسسات لساعتين، صباحا ومساء. من جانبها، أعلنت التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب، الاستمرار في مقاطعة العمل وفق جدول حصص 38 ساعة و24 ساعة في سلكي الإعدادي والابتدائي و 21 في سلك التأهيلي، مع الاستمرار في مقاطعة الأعمال الإدارية الخارجة عن تخصصهم. كما دعت التنسيقية، في بلاغ، إلى وقفات احتجاجية لمدة ساعتين بالتعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي يومي الاثنين والثلاثاء، وخوض إضراب وطني لمدة أربعة أيام الأربعاء، والخميس، والجمعة، والسبت، مرفوق بوقفات احتجاجية إقليمية أو جهوية 14 دجنبر 2023. يأتي ذلك بينما مازال الحوار مستمرا بين النقابات التعليمية الأربع مع فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، حول تحسين أجور الأساتذة.