شوف تشوف

الرأيالرئيسية

النساء والمونديال

يستكثر بعض من جمهور الرجال على المرأة اهتمامها بلعبة كرة القدم، وانخراطها الراهن في تفاصيل (وجماليات) عالم المونديال الذي تجري أحداثه حاليا في قطر، بل ويرون في الأمر تطاولا وتجاوزا جندريا وخروجا سافرا عن النمط المكرس في أذهانهم ومزاحمة لهم في منطقة اهتمامهم التي يفترضونها ذكورية محضة محررة لا مكان للسيدات فيها، بل ويذهب بعضهم بعيدا، ويصنف المرأة المهتمة في شؤون الكرة فاقدة للأنوثة، متشبهة بالرجال، وفي أحسن الأحوال مجرد وجه جميل تُظهره بين حين وآخر الكاميرات التي تبث للعالم مباريات كرة القدم حامية الوطيس، وهم مقتنعون، من دون مسوغ، أن المرأة هنا مدعية، وأنها، في واقع الأمر، تمقت كرة القدم، لشعورها بالغيرة تجاه كل ما يمكن أن يستحوذ على تفكير الرجل، لأنها مخلوق أناني في الحب، تحرص على أن  تظل مستأثرة بحب رجلها واهتمامه بعيدا عن تشويش الكرة وصخبها، ويفترضون بها الاهتمام بمتابعة المسلسلات التركية الطويلة، وكذلك التخلي بدون شروط عن الريموت كونترول، والانسحاب بخفة وهدوء عند موعد المباراة المرتقبة، بعد إعداد ما يلزم للسهرة من مشروبات ساخنة وباردة وبوشار ومكسرات، وأرجيلة في أحيان كثيرة.

هذا طرح ساذج قائم على التنميط والتعميم والحكم السطحي المسبق على الأشياء تكذبه الوقائع، فالملاعب مكتظة بمشجعات بلادهن ممن حصلن على إجازات وتكبدن أعباء السفر وتحملن النفقات وابتعدن عن عائلاتهن، إرضاء لرغبتهن في الوجود في الملاعب، لأنهن، ببساطة، يعشقن اللعبة، ويدركن سحرها وفنونها، ويمارسن حقهن في المشاركة بهذا الحدث الكوني العظيم. كما تحضر المرأة في مونديال قطر حكما متمرسا يرهب جانبها اللاعبون، خشية أن تبرز في وجوههم البطاقات الصفراء والحمراء. كما لاحظنا حضورها في فرق المنظمين عنصرا فاعلا حريصا على ضبط النظام والسهر على راحة الجمهور. وتكتظ المقاهي والنوادي بالمتفرجات من عاشقات الكرة، يتفاعلن، يغضبن، ويفرحن، ويحزن، ويبدين آراء فنية عميقة ودقيقة في مستوى اللعبة. وبهذا هن لا يختلفن عن الرجال في تلقيهن وفي ردود أفعالهن، وتشارك النساء رجالهن المتبرمين في البيوت متابعة المباريات بالشغف ذاته، وبعيدا عن التقسيمات الجامدة البائسة، فإن كرة القدم بالنسبة إلى الجماهير الحاشدة من كلا الجنسين من أكثر الألعاب متعة وجماهيرية، وتتساوى فيها المشاعر والانفعالات التي تتملكهم عند مشاهدة مباراة ما بين الإحباط والغضب والفرح الشديد التي تظهر آثارها على الجسد.

بحسب العلم، هناك خلايا عصبية متخصصة في الدماغ، تسمى الخلايا العصبية المرآتية، تبيح لنا وضع أنفسنا مكان الآخر، وتخيل ما يمر به في وقت ما. يحدث ذلك، حين نتابع فريقا نحبه، فنحس بأننا جزء من هذا الفريق.

تتحدث لغة الجسد وتتفاعل في أثناء مشاهدة المباراة، وقد تظهر على المتفرج بعض الأعراض، مثل التعرق وسرعة ضربات القلب وتدفق الأدرينالين، ما يعزز الشعور بالإثارة، ولم تأت النظريات العلمية بأي فروق تُذكر بين الرجال والنساء في هذا الشأن، ما ينفي طروحات أولئك الذكور المتعصبين الراغبين في الاستئثار بالمتعة والإثارة التي يتوقعونها حكرا عليهم، جراء موروث ثقافي استعلائي ضحل، ينطوي على أوهام التفوق، فيشعرون بالتهديد وفقدان المكانة وينتابهم الذعر من مواجهة فكرة الندية التي تعبر عنها المرأة القوية المتوازنة، المتحققة أينما وجدت.

بسمة النسور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى