شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةتقاريرمجتمع

النزيف

اعترف تقرير المجلس الأعلى للحسابات بضعف نتائج التمدرس في العالم القروي، محذرا من أن نسبة الانقطاع عن الدراسة مازالت مرتفعة مقارنة بالوسط الحضري، وخاصة في السلك الإعدادي، الذي سجل فيه معدل 12.2% من المغادرة التامة للمؤسسات التعليمية. والمؤسف حقا أن تصرف سنويا حوالي 6000 مليار سنتيم دون احتساب ميزانيات قطاعية أخرى تصب في التعليم ولا زلنا نقرأ عن أرقام صادمة تبوح بها تقارير المؤسسات الرسمية.

مقالات ذات صلة

والأكيد أن هاته النسبة العالية من الانقطاع عن التعليم في سن مبكرة في العالم القروي، ليست أمرا عرضيا يمكن معالجته ببساطة، بل ظاهرة مجتمعية مقلقة تهدّد مستقبل الأطفال وتهدد كذلك مستقبل البلد. وللأسف لم تنفع تلك التخمة الحاصلة في دراسة الأسباب أو القوانين أو الشعارات أو “بركولات الإصلاح”، في كبح جماح الهدر المدرسي ومغادرة فصول الدراسة إلى الأبد والالتحاق باحتياط الأميين والعاطلين عن العمل، وهذا ما يفسر القنبلة الموقوتة المتجسدة في وجود أكثر من 4 ملايين شاب مغربي بدون تكوين بدون عمل بدون أي أمل.

ومن العبث أن نتوقع نجاح أي نموذج تنموي أو أي استراتيجية عامة للدولة مهما كانت نواياها الوردية ومهما صرفت عليها من أموال، ونحن نستيقظ صباحا ونمسي مساء على نزيف التسرب المدرسي وتحول الآلاف من التلاميذ إلى أطفال مشردين بشوارع المدن والأسواق، أو يشتغلون باعة متجولين أو محترفي تسول أمام الإشارات الضوئية، وقد يزج بهم أولياؤهم إلى احتراف حرف شاقة تجعل منهم عرضة لشتى أنواع الاستغلال، أو مغامرين بأنفسهم في حلم الهجرة إلى الضفة الأخرى، بينما كان من المفروض على الدولة والسياسات العمومية والأسر، إجبارهم بكل الطرق المتاحة على استكمال دراستهم.

إن خطر الانقطاع المدرسي ليس قدرا محتوما، بل هو نتيجة طبيعية ومتوقعة لتردي العملية التربوية على كل المستويات، من نقص في الإطار التربوي وضعف التجهيزات والوسائل التعليمية وتردي البنية التحتية في كثير من المناطق القروية خصوصا، والاستهتار بالإضرابات اللامحدودة، وتراكمات تمس الحالة الاجتماعية للأسر الفقيرة، حتى تحولت المنظومة التربوية العمومية إلى آلية إقصاء وتكريس للفوارق الاجتماعية والمجالية.

إن الذين يستخفون اليوم بمغادرة عشرات الآلاف سنويا للمدارس، عليهم أن يدركوا أنهم يصنعون غدا وقودا لعدم الاستقرار وجدارا عاليا لعدم التنمية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى