النزول للميدان
ما الذي سيخسره الوزراء إذا تناوبوا على النزول إلى الميدان وتفقد أحوال المواطنين في هذا السياق الاجتماعي والمناخي الصعب. فالجلوس داخل المكاتب المغلقة لا يمكن أن يعطي الوزير الصورة الحقيقية عن الواقع مهما رفعت إليه من أرقام ومعطيات وتفاصيل، لكن بعض الوزراء وليس كلهم يفضلون الجلوس بمكاتبهم المبردة صيفا والمدفئة شتاء، ولا يريدون النزول للميدان، والأمرّ من ذلك أن بعضهم يغلقون عليهم مكاتبهم، فماذا سيخسر الوزراء لو خصصوا يوما واحدا في الشهر لزيارة جهة لتصبح هذه الزيارات جزءا لا يتجزأ من عمل الوزراء؟
إن نزول المسؤولين والوزراء إلى الميدان، وتواصلهم بشكل مباشر مع المواطنين ووقوفهم على تدبير المشاكل زمن الأزمات وسير العمل بشكل حي ومباشر في الأوضاع الطبيعية، من المفروض أن يصبح أحد المعايير الحاسمة في تقييم أدائهم ومدى قدرتهم على إدارة أعمال الوزارات والمصالح المنوطة مسؤولياتها بهم، وعلى أساسه يتحتم محاسبة أحزابهم في الانتخابات. وهنا لا نقصد بالخروج للميدان تلك الطريقة البروتوكولية أو فيديوهات الرياء السياسي، فالمطلوب من المسؤولين الحكوميين الاتجاه للاستماع للمواطنين بشكل مباشر وإيجاد الحلول الآنية وبعث رسائل الطمأنة وخلق الشعور لدى المواطن بكون الوزراء جزءا منهم وليسوا مخلوقات لا إحساس لها.
والخلاصة أنه حتى تتحقق الإدارة السليمة للوزراء لقطاعاتهم وتحافظ الحكومة على شرعيتها الانتخابية والسياسية، لا بد من توفر ثلاث نقاط رئيسية، الأولى: التواصل المستمر مع الواقع بكل ما فيه، ثانيا: أن يكون الوزير محاطا بأهل الرأي والخبرة والكفاءة والتجربة لكي يقترحوا عليه الآراء والأفكار والحلول، ثالثا: لا بد أن ينتهي كل وزير من ضرب جدار الرقابة الذاتية على ممارسة اختصاصاته، فلا أحد سيحاسبه لماذا نزل إلى الفيضان الفلاني أو السوق العلاني أو أي موقع يواجه مشاكل، بل بالعكس ستتم محاسبته من طرف ملك البلاد دستوريا والشعب سياسيا إذا لم يفعل ذلك، وبالتالي بدون التواصل الفعلي والمباشر وبدون محيط خبرة وبدون جرأة في ممارسة المهام والاختصاصات، تصبح المسؤولية الوزارية مجرد محافظة على الوضع الراهن والاكتفاء بالحد الأدنى من العمل، وهذا لا يصنع حكومة جيدة ولا يحافظ لها على شرعيتها السياسية والدستورية في الحاضر والمستقبل.