شوف تشوف

الرأي

النبتة التي تبيض ذهبا

يونس جنوحي

شركة إسبانية للإنتاج خصصت وثائقيا من حلقات مطولة لتناول موضوع «الحشيش» الذي يتم تهريبه من المغرب إلى منطقة «لا لينيا» بإسبانيا، حيث توجد عشيرة «كاستانيا» التي يترأسها شاب مبحوث عنه وصدرت في حقه مذكرات بحث أوروبية ومن «الأنتربول» أيضا.
تضمنت السلسلة صورا من المغرب، عندما تناولت قصة شابة إسبانية تورطت مع عصابة ترويج المخدرات، التي كانت عبارة عن «الحشيش» ثم الكوكايين.
هذه الشابة الإسبانية سبق لها أن سُجنت في المغرب بعد أن ألقي عليها القبض متلبسة بمحاولة تهريب المخدرات من طنجة وأحيلت على السجن.
الشابة رغم أنها إسبانية الأصل والمولد، تحدثت عن المغرب وكأنه غابة من المتوحشين، في حين أنها فشلت في مسارها الدراسي بإسبانيا وفشلت في التأقلم مع أي برنامج حكومي لتشغيلها ولم تفلح إلا في تجارة المخدرات، وخالفت قوانين المغرب، وبالتالي كان عليها قضاء عقوبة سجنية ما بين سنتي 2017 و2018. وعندما أنهت محكوميتها أفرج عنها لتغادر المغرب صوب مدينتها «لا لينيا» لتصبح مبحوثا عنها من طرف عصابة «كاستانيا» لأنها سرقت منهم كمية مهمة جدا من المخدرات وخانت ثقتهم.
أثناء المقابلة التي أجريت معها، تحدثت عن المغرب وكأنه دولة بدائية، وتحدثت عن صعوبات أثناء قضاء العقوبة الحبسية، وربما كانت تتوقع فقط لأنها إسبانية أن تعامل هناك معاملة خمس نجوم.
الغلط الكبير الذي وقع فيه منتجو الفيلم، أنهم لم يتحدثوا إلى أي جهة رسمية في المغرب، ولا حتى مع جمعويين أو حقوقيين مغاربة. لا أحد، باستثناء فلاح صغير في منطقة الريف، يتعهد قطعة أرضية مخصصة لزراعة القنب الهندي، تحدث إلى الكاميرا عن مراحل زراعة وحصد محصوله السنوي من الحشيش.
اكتفوا بالنزول من الفندق في طنجة ونصب الكاميرا أمام سينما الريف لتصوير المارة قرب أقواس سوق فندق الشجرة والمُتعبين «الذين ينصتون إلى عظامهم» وقت القيلولة فوق عشب النصب التذكاري لساحة 9 أبريل. وعندما كانت الشابة الإسبانية تتحدث إلى الكاميرا عن تجربتها في السجن مع السجينات المغربيات، اختار المُخرج أن يمرر صور نساء مغربيات بريئات لا تربطهن أي صلة بتجارة المخدرات. بينهن بائعات الخبز في السوق القديم والباحثات عن سيارة أجرة لتقلهن إلى منازلهن. وبينما كانت الشابة الإسبانية تتحدث عن تجارة المخدرات وتورطها مع سجينات، كانت صور النساء اللواتي يتمشين في الشارع العام تؤثث تلك الشهادة التوثيقية. وهذا خطأ مهني جسيم.
عندما تتحدث في فيلم وثائقي عن الأمراض والجرائم لا يجب أن تعرض صور مواطنين في الشارع العام وكأنها تشرح ما جاء في تلك الشهادة.
عصابة «كاستانيا» إسبانية المنشأ وأعضاؤها وزعماؤها إسبانيون أصليون من السكان الأصليين للمنطقة الجغرافية، ورغم ذلك فإن الناس في مدينة «لا لينيا» يربطون انتشار الجريمة المرتبطة بعصابات ترويج المخدرات، بالتهريب من المغرب. حتى أن الوثائقي كان يعرض باستمرار تسجيلات أمنية لزوارق قادمة من المغرب لترسو على شاطئ المدينة وتفرغ حمولاتها.
الحملات الانتخابية كانت تُبنى على هذا الأساس وكأن مشكل المدينة سببه المغاربة. في حين أن البوليس الإسباني لم ينجح في اعتقال زعماء العصابة إلا بعد محاولات كثيرة. بل إن القاضي الإسباني نفسه أمر بالإفراج عن متورطين إسبان صادر البوليس محجوزات من المخدرات بكميات ضخمة في منازلهم، إلا أنه رأى أنها أدلة غير كافية لإرسالهم إلى الزنزانة، وأصيب البوليس بخيبة أمل.
قاد عمدة مدينة «لا لينيا» حملة انتخابية انتقد فيها الأوضاع الأمنية في المدينة ووعد المواطنين بالحد من انتشار أنشطة عصابات تجارة المخدرات خصوصا «لا كاستانيا» التي كان أفرادها يقتحمون المستشفيات بأسلحتهم لإجبار الأطباء على علاج أفراد العصابة المصابين في المواجهات مع قوات الأمن بالرصاص الحي. وفعلا نجح العمدة في آخر انتخابات محلية.
الحشيش القادم من المغرب لا يزال هو البرنامج الانتخابي الأكثر شعبية في إسبانيا. يزرعه الفقراء والتعساء هنا، ولا يربحون من وراء النبتة سوى دراهم معدودات، في حين أن الأباطرة الكبار الذين يتلقون الحمولة في أوربا يحولون تلك الأكياس إلى آلات تبيض ذهبا، وأصوات انتخابية أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى