ترأس عبد اللطيف الميراوي، وزير التعليم العالي، اجتماعا هو الأول لما يعرف بـ«ندوة رؤساء الجامعات»، الاجتماع خُصص لتقديم حصيلة المراحل الست للمناظرات الجهوية لبلورة المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهو المخطط الذي يقول عنه الوزير إن الأولوية فيه «ستعطى للمناطق الهشة ليستفيد أبناؤها من تكوين وتحصيل علمي مناسب وقادر على إدماج شباب المناطق الهشة في سوق الشغل». هذا المسعى يصطدم بتحديات كبرى على رأسها غياب العدالة المجالية بين جهات المملكة، ليس فقط في التنمية وفرص الشغل للشباب، بل في الاستفادة من خدمات قطاع التعليم العالي.
15 سنة بدون جامعة جديدة
قطاع التعليم العالي هو أحد القطاعات العمومية التي تجسد ما بات يعرف بغياب العدالة المجالية، إذ في الوقت الذي نجد كل الجامعات العمومية، والخاصة المعترف بها، ترتكز في شمال جهات سوس، نجد أن أربع جهات بدون جامعات إطلاقا، سواء أكانت عمومية أو خاصة، الأمر الذي يكرس اللامساواة واللاإنصاف في هذا القطاع، حيث يضطر آلاف الطلبة سنويا إلى التنقل لمئات الكيلومترات قصد استكمال تعليمهم العالي في الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح.
فحسب معطيات رسمية، فإن آخر جامعة عمومية من صنف ذات الاستقطاب المفتوح تم بناؤها ترجع لسنة 2007، وهي جامعة السلطان مولاي سليمان بجهة بني ملال. فيما جهات الصحراء الثلاث، أي جهة كلميم والداخلة والسمارة بالإضافة إلى جهة تافيلالت، ماتزال بدون جامعات، حيث تتبع المراكز الجامعية الصغرى فيها لجامعات توجد بجهات أخرى.
الكليات متعددة التخصصات والتي تم خلقها في أواسط التسعينات والنصف الأول من العشرية الأولى للألفية الثالثة تتبع لجهات لم تعد بها أية علاقة بحكم التقسيم الترابي الجديد القائم على 12 جهة بدل 16. كالكلية متعددة التخصصات في الراشيدية ماتزال تتبع لجامعة المولى إسماعيل بمكناس، علما أن مدينة مكناس أضحت تتبع لجهة أخرى عاصمتها هي فاس. ومن الغرائب، أيضا، أنه تم إحداث مدرسة عليا للتكنولوجيا في أرفود، وهي مؤسسة ذات استقطاب محدود، وتتبع هي أيضا لجامعة مكناس. مع الإشارة إلى إلغاء الوزير الحالي لمشروع كلية بمدينة تنغير، وكانت ستتبع أيضا للجامعة نفسها التي تبعد عنها بمئات الكيلومترات.
باقي الكليات تم إنشاؤها في جهات توجد فيها جامعات كبرى، ككلية العرائش التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وكلية آسفي التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، وكلية بني ملال التابعة لجامعة المولى سليمان في المدينة نفسها، وكلية خريبكة التابعة للجامعة ذاتها، وكلية الناظور التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة.
وزارة التعليم العالي وضعت نفسها، قبل أسابيع، في مأزق حقيقي، حيث ألغى الميراوي العديد من مشاريع بناء كليات متعددة التخصصات جديدة، وكلها في مدن متوسطة، الأمر الذي سيجبر آلاف الطلبة على التنقل إلى «عواصم» الجهات حيث الجامعات. ومن جهة أخرى سيكون عليها أن تبني أربع جامعات في الجهات التي لا تتوفر عليها، الأمر الذي يفرض نظرة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية لكل جهة من الجهات الأربع، وأيضا ربط التكوينات التي ستحتضنها بمشاريع التنمية الجهوية والمحلية لضمان انخراط الشباب في تنمية جهاتهم.
ماذا بعد إلغاء 40 مركزا جامعيا؟
قرار إلغاء المراكز الجامعية، الذي اتخذه الوزير الميراوي، جاء ليلغي مشروعا تبنته الحكومة السابقة. هذا المشروع يتضمن إحداث 40 مؤسسة جامعية في عدة أقاليم لتوسيع العرض الجامعي، وذلك لتمكين الطلبة المنحدرين من القرى من ولوج المؤسسات الجامعية، مع مراعاة أن يكون التكامل في ما بينها.
المشروع كان يهدف إلى تحقيق العدالة المجالية ومنح كل جهة جامعة، وكل إقليم مؤسسة جامعية، علما أن إحداث جامعة يتم بقانون، وإحداث مؤسسة جامعية يتم بمرسوم ولكن بمبادرة من مجلس الجامعة. إحداث المراكز الجامعية يستند إلى نموذج للاتفاقيات تتم مع الجهات، آخرها جهة كلميم وادنون، حيث تم توقيع اتفاقية بين الوزارة ومجلس الجهة والمجلس الإقليمي لإحداث أربع مؤسسات جامعية، حيث ساهمت الجهة بالثلث، تقريبا 300 مليون درهم، والوزارة بثلثين. والشيء نفسه بالنسبة لجهة فاس مكناس، مؤسسة جامعية في بولمان، وأخرى في أزرو، وإفران، والحاجب، وذلك في إطار توسيع العرض والعدالة المجالية.
وبخصوص جهة درعة تافيلالت تم إقرار فتح مؤسسة متعددة التخصصات في ميدلت، كما صادق مجلس جامعة مولاي إسماعيل على إحداث مدرسة عليا للتكنولوجيا في أرفود، مشددا على أن وزارته ستشتغل على إحداث كلية قائمة بذاتها في تنغير.
في هذا السياق، قال عبد اللطيف الميراوي، وزير التعليم العالي، إن قطاع التعليم «غير قابل للمزايدات السياسية أو إرضاء الخواطر على حساب مصلحة البلاد والشباب». وأكد الميراوي، في عرض قدمه أمام المكتب السياسي لحزب «الأصالة والمعاصرة»، أن «الأولوية في التعليم العالي يجب أن تعطى للمناطق الهشة ليستفيد أبناؤها من تكوين وتحصيل علمي مناسب وقادر على إدماج شباب المناطق الهشة في سوق الشغل». وأشار إلى أن «الحكومة برمتها ملتزمة بالاستناد على مبدأ المساواة والإنصاف بقطاع التعليم العالي من خلال مراعاة الخصوصية بين الجامعات».
وأبرز الوزير أن المنظور الجديد للحكومة مبني على مقاربات علمية تستحضر الخصوصيات التي تتميز بها كل جهة. وشدد على أن الشباب المغربي يجب تعليمه اليوم وفق مناهج تكوين مناسبة لخصوصياتهم، ويسهل انخراطهم بطريقة علمية في سوق الشغل.
حديث الوزير عن الإنصاف، حسب متتبعين، يتناقض مع المشروع سابق الذكر، والقاضي بإحداث 40 مركزا جامعيا. ولم تتبين حتى الآن مخططات الوزير الوصي على القطاع لتحقيق الإنصاف في ظل توزيع غير عادل للجامعات. ففي الوقت الذي تحتضن فيه جهة الدار البيضاء أربع جامعات عمومية، ثلاث مصنفة على أنها ذات استقطاب مفتوح وواحدة أخرى باستقطاب محدود، وجهة الرباط بجامعتين عموميتين وجامعتين خاصتين، نجد أربع جهات بدون خدمات جامعية، اللهم إلا مراكز جامعية هي أقرب إلى ثانويات تحتضن طلبة ما بعد الباكلوريا، تتبع لجامعات في جهات أخرى، لم تعد لها علاقة بها وفق التقسيم الجهوي المعتمد منذ سنة 2015.