شوف تشوف

الملف السياسي

رغم الخطاب الملكي.. مساطر معقدة وعراقيل تواجه الاستثمار

 

مقالات ذات صلة

في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، ركز الملك محمد السادس على موضوعين رئيسيين، هما الماء والاستثمار. وبذلك يكون الملك قد رسم خارطة الطريق لعمل الحكومة، خلال السنوات المقبلة.

وأكد الملك أن موضوع الاستثمار يحظى ببالغ اهتمامه، لأنه أساسي لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة، ما يتطلب رفع العراقيل التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات.

وشدد الملك على أن المراكز الجهوية للاستثمار مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود. ودعا الملك إلى تعاقد وطني للاستثمار، يهدف لتعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.

ميثاق الجديد للاستثمار أولوية واهتماما ملكيا، ففي فبراير الماضي، ترأس الملك محمد السادس جلسة عمل خصصت للميثاق الجديد للاستثمار، وهي الجلسة التي تأتي امتدادا للتوجيهات الملكية المتضمنة في خطاب افتتاح البرلمان، الداعية إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت، وتم خلالها تقديم عرض حول الخطوط الكبرى لمشروع الميثاق الجديد للاستثمار من طرف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية. ومن شأن الميثاق الجديد أن يدفع إلى تغيير التوجه الحالي والذي يمثل فيه الاستثمار الخاص حوالي ثلث الاستثمار الإجمالي، فيما يمثل الاستثمار العمومي الثلثين. حيث يسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي، في أفق 2035.

وتتمثل الأهداف الرئيسية المحددة في الميثاق الجديد للاستثمار، طبقا لما أورده البلاغ الملكي، في إحداث مناصب الشغل، والنهوض بتنمية منصفة للمجال وتحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، كما أن مشروع الميثاق الجديد يضم تدابير رئيسية للدعم تتكون من تعويضات مشتركة لدعم الاستثمارات انسجاما مع التوجيهات الملكية، وأهداف النموذج التنموي الجديد وكذا الأولويات التي حددتها الحكومة، وتعويض مجالي إضافي يروم تشجيع الاستثمار في الأقاليم الأكثر هشاشة، وتعويض قطاعي إضافي يمنح تحفيزات بهدف إنعاش القطاعات الواعدة، كما ينص المشروع، على اتخاذ إجراءات للدعم خاصة بالمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي من قبيل صناعات الدفاع، أو الصناعة الصيدلانية في إطار اللجنة الوطنية للاستثمارات، إلى جانب تدابير خاصة للدعم موجهة إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، فضلا عن تدابير أخرى للنهوض بالاستثمارات المغربية بالخارج.

وبرزت أولوية ميثاق وطني للاستثمار، في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان، والذي دعا فيه الملك محمد السادس إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت. يتعلق الأمر بمقاربة جديدة، تستهدف ضمان منتوجات ذات قيمة مضافة عالية قادرة على مواجهة المنافسة الشرسة في الأسواق الدولية. وفضلا عن الدعائم التقليدية لدعم تنافسية الاقتصاد من قبيل مناخ الاستثمار الجيد والكلفة المنخفضة، والتحفيزات الضريبية، يتعين الآن، وكما نص على ذلك النموذج التنموي الجديد، المرور إلى مقاربة جديدة، سمتها الأساس الاعتماد على الابتكار والتكنولوجيات، وقبل ذلك وضع منظومة التربية والتكوين، لتوفير مؤهلات بشرية قادرة على الانخراط في توجهات الاقتصاد العالمي الجديد.

وانطلاقا من النموذج التنموي الجديد، يهدف الميثاق الجديد للاستثمار إلى إحداث تغيير جذري في منظومة الاستثمار المغربية. هذه المنظومة يهيمن عليها القطاع العام بنسبة الثلثين، مقابل الثلث فقط للقطاع الخاص، وهي الوضعية التي يطمح الميثاق الجديد إلى قلبها رأسا على عقب، من خلال رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق سنة 2035، ففي مروره الأخير بمجلس النواب، كشف والي بنك المغرب عن معطيات صادمة، إذ رغم أن المغرب يحتل المرتبة الثالثة عالميا باستثمارات عمومية تمثل 32.3 في المائة من الناتج الداخلي الخام من حيث القيمة، إلا أن ذلك لم يسهم في تحقيق الأهداف المنتظرة، سواء على مستوى التشغيل أو النمو، في الوقت الذي تمكنت دول تنفق أقل من المغرب بكثير من تحقيق «معجزة اقتصادية».

ومن جانبها، تضع الحكومة الاستثمار في صلب الأولويات الاقتصادية لديها، حيث قال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إن الحكومة نجحت في إخراج ميثاق الاستثمار بعد 12 سنة من الأخذ والرد والنقاش، مشيرا إلى أنها ستواصل كذلك تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل وإصلاح الإدارة، معتبرا أن «الحكومة نجحت في سنتها الأولى في إخراج ميثاق الاستثمار، الذي سيعطي آفاقا كبيرة للاستثمار في المستقبل، إلى حيز الوجود، بعد سنوات من التأخر والنقاش والأخذ والرد»، مضيفا أن «الحكومة أعدت مرسوما سيخرج مباشرة بعد التصويت عليه في مجلس المستشارين، وهكذا سيتم بدء العمل بمقتضياته، حيث سيعطي آفاقا جديدة في ما يخص العدالة المجالية، حتى يصبح مثلا الاستثمار في الدار البيضاء مثل الاستثمار في زاكورة».

وتابع رئيس الحكومة أن «ميثاق الاستثمار الجديد يروم أيضا خلق فرص الشغل»، مؤكدا أن الحكومة «تعد في هذا الصدد مجموعة من المراسيم في ما يتعلق بتحفيز الدولة للمستثمرين، من أجل الرفع من عدد الاستثمارات»، مشيرا إلى أن «مستثمرين كُثر من دول مختلفة يهتمون بوجهة المغرب، ويهتمون بمختلف القطاعات، وهناك فرصة كبيرة للمستثمرين يجب المحافظة عليها، من أجل مواصلة خلق فرص الشغل».

وفي هذا الشأن، أوضح أخنوش أن الحكومة «تتواصل في إطار الحوار والنقاش الجاد مع مختلف المهنيين وأرباب العمل والمستثمرين، من أجل إنجاح الرهان المتمثل في خلق 500 ألف منصب شغل في السنوات المقبلة»، مضيفا أن «الدولة توفر كذلك حوالي 250 ألف منصب شغل خلال هذه السنوات، أي بمعدل 50 ألف منصب كل سنة، دون إغفال فرص الشغل الأخرى التي سيتم خلقها في كل من القطاع الفلاحي والصناعة التقليدية والسياحة، التي شهدت نشاطا مهما بعد توقف امتد إلى حدود أواخر مارس الماضي»، مشيرا إلى أن «المغرب بلد جذاب يحظى باهتمام كبير للسياح من مختلف بقاع العالم».

مساطر معقدة وعراقيل تواجه الاستثمار بمجال العقار

كشفت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، في عدة مناسبات، عن وجود عراقيل تواجه الاستثمار في قطاع العقار، ودعت إلى إعادة النظر في القانون التنظيمي لوثائق التعمير واعتماد مقاربة جديدة في هذا المجال.

وأبرزت الوزيرة أن هذه المقاربة تتمثل في «لاتمركز وثائق التعمير مع المصادقة بقرار، وتحديد المدة وتقليصها، وجعل الوثائق أكثر مرونة، وتحديد مهلة المرافق»، واعتبرت المسؤولة الحكومية أن المقاربة الجديدة باتت ضرورية لتجاوز تعقيدات مسطرة إعداد وثائق التعمير، والتي تمر من عدة مراحل (الدراسة، اللجنة المحلية التي تضم ممثلي جميع المصالح الوزارية، البحث العمومي، العرض على المجالس المنتخبة، اللجنة المركزية، وكذلك الإحالة على الأمانة العامة للحكومة للإعلان والنشر).

وأفادت، في هذا الصدد، بأن هذه المساطر معقدة وتتطلب معدل 6 سنوات، وتقتضي 33 متدخلا و130 إمضاء، مبرزة أن وثيقة التعمير هي وثيقة استباقية تضع تطورا شموليا يمكن من توازن ترابي ومجالي، استقطاب الاستثمار، توفير حاجيات السكان من مرافق عمومية، والسماح بعرض سكني متنوع.

وأعلنت المنصوري عن نهاية الرخص الاستثنائية في قطاع التعمير، وأنه سيتم تطبيق القانون، لمواجهة الفوضى التي يعرفها القطاع، والحد من كثرة المتدخلين، وأكدت الوزيرة أن كثرة المتدخلين في قطاع العقار تقتل الاستثمار وتقتل التنمية، وأوضحت أن الإشكالية الحقيقية التي يعاني منها القطاع، هي كثرة المتدخلين، ما يؤدي إلى صعوبة في توحيد الرؤية، لذلك شددت المنصوري على ضرورة توضيح دور كل متدخل، كما أعلنت عن نهاية العمل بالاستثناء في مجال العقار، وشددت على ضرورة العودة إلى تطبيق القانون.

وأفادت المنصوري بأن الوزارة أعادت النظر في 3500 ملف استثماري سبق أن تم رفضها لأسباب تقنية أو إدارية، وكشفت في معرض جوابها عن سؤال شفوي حول «تسريع دراسة الملفات الاستثمارية في مجال العقار»، تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أنه تمت الموافقة على ما يفوق 1538 ملفا بغلاف مالي يقدر بـ17 مليارا، حقق منها لحد الآن 14,65 مليار درهم، والتي ستمكن من خلق 68 ألف منصب شغل.

وأكدت أنه وعيا من الحكومة بالدور الأساسي الذي تقوم به في إطار تشجيع الاستثمار، كانت أول دورية أصدرتها في الولاية الحكومية الحالية، هي دورية إعادة النظر في ملفات الاستثمار التي تم رفضهاـ لأسباب تقنية أو إدارية.

وأبرزت في هذا الإطار، أنه تم أيضا إصدار دورية الشهادة ذات الصبغة غير الفلاحية لتشجيع الاستثمار الأجنبي خارج المدار الحضري، مؤكدة أن ذلك مكن من حل عدد كبير من الملفات الجامدة منذ سنوات، بالإضافة إلى دراسة 94 ألفا و500 مشروع خلال السنة الجارية، حظيت 65 في المائة منها بالموافقة.

وللهدف نفسه، تضيف المسؤولة الحكومية، وضعت الوزارة جيلا جديدا من وثائق التعمير يعتمد على ميكانيزمات تحفيزية للاستثمار، وقامت بتعميم الدراسة القبلية لملفات الاستثمار، مشيرة إلى أن هذه التدابير تعد حلولا آنية في انتظار وضع نصوص قانونية تعتمد على المرونة وتبسيط المساطر لتشجيع الاستثمار.

وقالت الوزيرة في معرض جوابها عن سؤال شفوي بمجلس النواب حول «معيقات تنزيل وثائق التعمير»، تقدم به الفريق الاستقلالي، إن أغلبية النصوص القانونية المؤطرة لقطاع التعمير تتجاوز 30 سنة ولم تعد مسايرة للدينامية الاقتصادية والاجتماعية، وأكدت أن الوزارة تعمل على وضع إطار قانوني جديد مبني على مقاربة مختلفة.

وأوضحت أن هذا التوجه يعتمد على ستة مبادئ، تتمثل في «الخروج من منطق الجمود إلى منطق الملاءمة، مع الدينامية التنموية الترابية»، و«اعتماد حكامة جديدة مبنية على الجهوية واللاتمركز»، و«تشجيع الابتكار في ما يخص المشهد الحضاري والمعماري»، و«تشجيع جاذبية المجالات للاستثمار»، و«تبسيط المساطر وتحديد الاختصاصات، مع منح الحق في اللجوء والتحكيم»، ثم «تعميم التدبير اللامادي لتدبير أكثر شفافية ونزاهة».

وأكدت الوزيرة على الدور الهام الذي تضطلع به الوكالات الحضرية في التخطيط والتدبير الحضريين، وتغطية المجالات الترابية بوثائق التعمير، وأفادت بأن المغرب يتوفر حاليا على 30 وكالة حضرية تغطي كامل التراب الوطني، مسجلة أن تغطيتها تتسم بعدم التوازن، ولا تستجيب لمعطى الجهوية، بالإضافة إلى وجود عراقيل «تتمثل في التركيز على التدبير اليومي للملفات على حساب الدور الحقيقي للوكالات، الذي هو التخطيط ومصاحبة المشاريع الاستثمار المنتج»، فضلا عن «غياب آلية للحكامة في ما يخص العالم القروي».

لذلك، تؤكد المنصوري قررت الوزارة، بناء على المشاورات في إطار الحوار الوطني للتعمير والإسكان، إعادة النظر في منظومة التعمير بتصور جهوي وإقليمي، وخلق قطب خاص بملفات التعمير بالعالم القروي وأيضا الاكتفاء بتصريح المهندس المعماري في إطار تجزئة مرخصة ومسلمة، وذلك لتخفيف العبء عن الوكالات، ولتحقيق ذلك، تعتبر المسؤولة الحكومية أنه من الضروري مراجعة النظام الأساسي للوكالات الحضرية، وتقوية الموارد البشرية وتكوينها وإحداث وكالات رقمية.

وأفادت المنصوري، في معرض جوابها عن سؤال شفوي بمجلس النواب حول «التأخر في إخراج تصاميم التهيئة ووثائق التعمير»، بأنه تم إصدار 100 تصميم تهيئة خلال سنة 2022، وأوضحت أن 12 من هذه التصاميم تهم المدن الكبرى، فيما تمت المصادقة على 26 تصميم تهيئة بالعالم القروي.

وأشارت إلى أن قطاع التعمير بالمغرب يعاني من عدة إكراهات، منها طول وتعقيد مسطرة المصادقة، وغياب الملاءمة بين مختلف وثائق التعمير، مشددة على أهمية إعادة النظر في بعض النصوص القانونية وملاءمتها مع خصوصيات العالم القروي وانتظارات سكانه.

تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار

 

في إطار مخطط الإقلاع الاقتصادي، لما بعد جائحة كوفيد-19، أعطى الملك توجيهاته السامية لاتخاذ سلسلة من الإجراءات والإصلاحات الاستراتيجية، حيث تم وضع برنامج إقلاع اقتصادي طموح خصص له غلاف مالي قدره 120 مليار درهم وهو ما يمثل 11في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وسيتم ضخ هذا المبلغ في الاقتصاد الوطني من خلال 75 مليار درهم، كقروض مضمونة من طرف الدولة لفائدة كل شرائح المقاولات بما فيها المؤسسات والمقاولات العمومية و45 مليار معبأة من طرف “صندوق محمد السادس للاستثمار”، منها 15 مليار درهم تم رصدها من ميزانية الدولة.

وفي هذا الصدد، تم اتخاد مجموعة من الإجراءات والتدابير الهادفة إلى إنجاح تنزيل هذا الورش، حيث تم إجراء مشاورات تمهيدية مع عدد من المانحين من أجل توفير دعم تقني خاص لهيكلة الصندوق، وتحديد المستثمرين المحتملين ومتطلبات الاستدامة وتجويد الإطار القانوني لأدوات التمويل بغية ملاءمتها بشكل أفضل مع حاجيات المستثمرين المغاربة والأجانب.

علاوة على ذلك، تم إطلاق إصلاحات لتقوية الإطار القانوني والتنظيمي لعمليات رأسمال الاستثمار مع تحديد المتطلبات القبلية التي ستسمح للصندوق وشركائه الدوليين والوطنيين من الاستثمار بفعالية في القطاعات المستهدفة، وذلك عن طريق الأدوات المالية المناسبة. ويتعلق الأمر بالمراجعة الجارية لقانون هيئات التوظيف الجماعي للرأسمال من أجل التوفر على إطار أكثر مرونة لتسهيل عملية الاستثمار في صناديق رأسمال الاستثمار وتوسيع عرض الأدوات المالية التي يوفرها قانون التسنيد عبر إدخال حلول لتمويل مشاريع البنيات التحتية (سندات المشاريع) والمقاولات الصغرى والمتوسطة (صناديق الدين).

بالإضافة إلى ذلك، تمت مباشرة عملية تعبئة الشركاء والمستثمرين عبر عقد اجتماعات عمل تهدف إلى تقديم تصور أولي لهيكلة الصندوق وإشراك كافة الفاعلين في عملية بناء هذا التصور وخلق حوار رفيع المستوى بين الأطراف المعنية للتمكن من تحديد انتظاراتها وبلورة مساهماتها في هذا الإطار.

ويعتبر تحفيز الاستثمار الخاص أحد العناصر الأساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني ورافعة لنمو قوي ومدمج بالمغرب، ووعيا منها بهذا الرهان، عقدت لجنة الاستثمارات، برئاسة رئيس الحكومة، عدة اجتماعات خلال هذه السنة من أجل دراسة وتتبع منتظم للمشاريع الاستثمارية المقدمة في جدول أعمالها، وذلك لتفادي ومعالجة الصعوبات التي يمكن أن تؤخر إنجاز المشاريع. وتلعب اللجنة المذكورة دورا مهما في تسهيل قرار الاستثمار، وتشجيع المبادرة العمومية والخاصة من أجل الاستثمار.

علاوة على ذلك، تلعب هذه اللجنة دورا مهما في تسهيل عملية الاستثمار بالمغرب، حيث تقوم خلال اجتماعاتها بمناقشة الإشكاليات المطروحة والتي تخص تحفيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال من أجل إطلاق الإمكانات التنموية للاستثمارات في جميع أنحاء التراب الوطني.

وهكذا، عقدت لجنة الاستثمارات، برسم سنة 2021، خمسة اجتماعات وصادقت على 93 مشروعا استثماريا بمبلغ مالي إجمالي يقدر بـ 36 مليار درهم، من شأنها إحداث حوالي 8.000 منصب شغل قار ومباشر. وقد احتل قطاع الطاقة وقطاع التعليم العالي المرتبة الأولى بحوالي 48 في المائة من الاستثمارات المقترح إنجازها. فيما احتل قطاع السياحة والترفيه المرتبة الثانية بـ 18 في المائة وقطاع الصناعة المرتبة الثالثة بـ15 في المائة من مجموع الاستثمارات المزمع تنفيذها.

وعند متم شهر شتنبر 2022، عقدت لجنة الاستثمارات ثلاثة اجتماعات، صادقت من خلالها على 34 مشروع اتفاقية وملاحق اتفاقيات الاستثمار بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 24,6 مليار درهم، والتي ستمكن من إحداث أكثر من 10.000 منصب شغل مباشر وغير مباشر.

وبخصوص حصيلة لجنة الاستثمارات المنعقدة إلى نهاية شتنبر الماضي، يحتل قطاع التعليم المرتبة الأولى باستثمارات بلغ حجمها 6 مليارات درهم، بنسبة تقارب 25 في المائة من مجموع الاستثمارات المبرمجة. ويأتي قطاع الاتصالات في المرتبة الثانية باستثمارات يبلغ حجمها 5,6 مليارات درهم، أي ما يناهز 23 في المائة من الاستثمارات المبرمجة، ويحتل قطاع الصناعة المرتبة الثالثة بما مجموعه 5,1 مليار درهم، بما يقارب 21 في المائة من مجموع الاستثمارات المبرمجة.

وتمثل المشاريع ذات الرأسمال الوطني غالبية المشاريع المزمع تنفيذها، باستثمارات يبلغ حجمها 11 مليار درهم أي بنسبة تقارب 44 في المائة. وتأتي الاستثمارات المنجزة في إطار الشراكات، في المرتبة الثانية بما مجموعه 10,34 مليار درهم، أي بنسبة 42 في المائة من مجموع الاستثمارات المبرمجة، متبوعة بالاستثمارات الإماراتية في المرتبة الثالثة بقيمة 1,58 مليار درهم، أي حوالي 6 في المائة من الاستثمارات المزمع إنجازها.

ويظهر توزيع الاستثمارات، حسب جهة الاستقرار، أن جهة الرباط- سلا- القنيطرة تأتي في الصدارة بـ 8,34 مليارات درهم أي بنسبة 34 في المائة من مجموع الاستثمارات المزمع إنجازها، وتأتي المشاريع المزمع إنجازها بعدة جهات من المملكة في المرتبة الثانية بما مجموعه 5,68 مليارات درهم بنسبة تقارب 23 في المائة ، فيما تحل جهة الدار البيضاء-سطات في المرتبة الثالثة باستثمارات تقدر بـ 4 مليارات درهم، بنسبة تقارب 16 في المائة ، متبوعة بجهة سوس-ماسة، باستثمارات تبلغ 2,53 مليار درهم.

الميثاق الجديد للاستثمار.. أولوية ملكية ورهان اقتصادي للحكومة

شكل الميثاق الجديد للاستثمار أولوية واهتماما ملكيا، ففي فبراير الماضي، ترأس الملك محمد السادس جلسة عمل خصصت للميثاق الجديد للاستثمار، وهي الجلسة التي تأتي امتدادا للتوجيهات الملكية المتضمنة في خطاب افتتاح البرلمان، الداعية إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت، وتم خلالها تقديم عرض حول الخطوط الكبرى لمشروع الميثاق الجديد للاستثمار من طرف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية. ومن شأن الميثاق الجديد أن يدفع إلى تغيير التوجه الحالي والذي يمثل فيه الاستثمار الخاص حوالي ثلث الاستثمار الإجمالي، فيما يمثل الاستثمار العمومي الثلثين. حيث يسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي، في أفق 2035.

وتتمثل الأهداف الرئيسية المحددة في الميثاق الجديد للاستثمار، طبقا لما أورده البلاغ الملكي، في إحداث مناصب الشغل، والنهوض بتنمية منصفة للمجال وتحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، كما أن مشروع الميثاق الجديد يضم تدابير رئيسية للدعم تتكون من تعويضات مشتركة لدعم الاستثمارات انسجاما مع التوجيهات الملكية، وأهداف النموذج التنموي الجديد وكذا الأولويات التي حددتها الحكومة، وتعويض مجالي إضافي يروم تشجيع الاستثمار في الأقاليم الأكثر هشاشة، وتعويض قطاعي إضافي يمنح تحفيزات بهدف إنعاش القطاعات الواعدة، كما ينص المشروع، على اتخاذ إجراءات للدعم خاصة بالمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي من قبيل صناعات الدفاع، أو الصناعة الصيدلانية في إطار اللجنة الوطنية للاستثمارات، إلى جانب تدابير خاصة للدعم موجهة إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، فضلا عن تدابير أخرى للنهوض بالاستثمارات المغربية بالخارج.

وبرزت أولوية ميثاق وطني للاستثمار، في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان، والذي دعا فيه الملك محمد السادس إلى اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار في أسرع وقت. يتعلق الأمر بمقاربة جديدة، تستهدف ضمان منتوجات ذات قيمة مضافة عالية قادرة على مواجهة المنافسة الشرسة في الأسواق الدولية. وفضلا عن الدعائم التقليدية لدعم تنافسية الاقتصاد من قبيل مناخ الاستثمار الجيد والكلفة المنخفضة، والتحفيزات الضريبية، يتعين الآن، وكما نص على ذلك النموذج التنموي الجديد، المرور إلى مقاربة جديدة، سمتها الأساس الاعتماد على الابتكار والتكنولوجيات، وقبل ذلك وضع منظومة التربية والتكوين، لتوفير مؤهلات بشرية قادرة على الانخراط في توجهات الاقتصاد العالمي الجديد.

وانطلاقا من النموذج التنموي الجديد، يهدف الميثاق الجديد للاستثمار إلى إحداث تغيير جذري في منظومة الاستثمار المغربية. هذه المنظومة يهيمن عليها القطاع العام بنسبة الثلثين، مقابل الثلث فقط للقطاع الخاص، وهي الوضعية التي يطمح الميثاق الجديد إلى قلبها رأسا على عقب، من خلال رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق سنة 2035، ففي مروره الأخير بمجلس النواب، كشف والي بنك المغرب عن معطيات صادمة، إذ رغم أن المغرب يحتل المرتبة الثالثة عالميا باستثمارات عمومية تمثل 32.3 في المائة من الناتج الداخلي الخام من حيث القيمة، إلا أن ذلك لم يسهم في تحقيق الأهداف المنتظرة، سواء على مستوى التشغيل أو النمو، في الوقت الذي تمكنت دول تنفق أقل من المغرب بكثير من تحقيق «معجزة اقتصادية».

ومن جانبها، تضع الحكومة الاستثمار في صلب الأولويات الاقتصادية لديها، حيث قال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إن الحكومة نجحت في إخراج ميثاق الاستثمار بعد 12 سنة من الأخذ والرد والنقاش، مشيرا إلى أنها ستواصل كذلك تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل وإصلاح الإدارة، معتبرا أن «الحكومة نجحت في سنتها الأولى في إخراج ميثاق الاستثمار، الذي سيعطي آفاقا كبيرة للاستثمار في المستقبل، إلى حيز الوجود، بعد سنوات من التأخر والنقاش والأخذ والرد»، مضيفا أن «الحكومة أعدت مرسوما سيخرج مباشرة بعد التصويت عليه في مجلس المستشارين، وهكذا سيتم بدء العمل بمقتضياته، حيث سيعطي آفاقا جديدة في ما يخص العدالة المجالية، حتى يصبح مثلا الاستثمار في الدار البيضاء مثل الاستثمار في زاكورة».

وتابع رئيس الحكومة أن «ميثاق الاستثمار الجديد يروم أيضا خلق فرص الشغل»، مؤكدا أن الحكومة «تعد في هذا الصدد مجموعة من المراسيم في ما يتعلق بتحفيز الدولة للمستثمرين، من أجل الرفع من عدد الاستثمارات»، مشيرا إلى أن «مستثمرين كُثر من دول مختلفة يهتمون بوجهة المغرب، ويهتمون بمختلف القطاعات، وهناك فرصة كبيرة للمستثمرين يجب المحافظة عليها، من أجل مواصلة خلق فرص الشغل».

وفي هذا الشأن، أوضح أخنوش أن الحكومة «تتواصل في إطار الحوار والنقاش الجاد مع مختلف المهنيين وأرباب العمل والمستثمرين، من أجل إنجاح الرهان المتمثل في خلق 500 ألف منصب شغل في السنوات المقبلة»، مضيفا أن «الدولة توفر كذلك حوالي 250 ألف منصب شغل خلال هذه السنوات، أي بمعدل 50 ألف منصب كل سنة، دون إغفال فرص الشغل الأخرى التي سيتم خلقها في كل من القطاع الفلاحي والصناعة التقليدية والسياحة، التي شهدت نشاطا مهما بعد توقف امتد إلى حدود أواخر مارس الماضي»، مشيرا إلى أن «المغرب بلد جذاب يحظى باهتمام كبير للسياح من مختلف بقاع العالم».

 

إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وتحسين مناخ الأعمال

تنفيذا للتوجيهات الملكية الهادفة إلى إدماج المغرب ضمن الاقتصاديات الصاعدة، أطلقت الحكومة مجموعة من الإصلاحات والاستراتيجيات الرامية إلى إعطاء دينامية جديدة لتحسين مناخ الأعمال بالمملكة.

ودعا الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان برسم الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إلى وضع ميثاق تنافسي جديد للاستثمار وتنزيله في أقرب الآجال، وفي هذا الصدد، وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، تمت المصادقة على مشروع القانون-الإطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار.

ويهدف مشروع القانون الإطار هذا إلى تعزيز أثر الاستثمار، من خلال إحداث مناصب شغل قارة وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في جذب الاستثمارات، كما يهدف إلى توجيه الاستثمار نحو القطاعات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية، وتعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطبا قاريا ودوليا في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأيضا تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، والرفع من نسبة الاستثمار الخاص، الوطني والخارجي، في مجموع الاستثمارات المنجزة التي ما تزال متسمة بهيمنة الاستثمار العمومي.

ولتحقيق هذه الأهداف، يتمحور مشروع القانون-الإطار حول أنظمة دعم الاستثمار المكونة من نظام الدعم الأساسي، ويشتمل الإطار التحفيزي المقترح في مشروع القانون-الإطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار على نظام دعم أساسي للاستثمار، يتكون من منح مشتركة لدعم الاستثمارات، ومنحة إضافية للاستثمار تسمى «المنحة الترابية»، موجهة لدعم المشاريع المنجزة في بعض الأقاليم والعمالات، والتي ستحدد قائمتها بنص تنظيمي، ومنحة إضافية أخرى للاستثمار تسمى «المنحة القطاعية» موجهة لدعم المشاريع المنجزة في المجالات ذات الأولوية، والتي ستحدد قائمتها بنص تنظيمي.

ويمكن أن تستفيد من نظام الدعم الأساسي، المشاريع الاستثمارية التي تصل أو تتجاوز قيمتها الإجمالية أو عدد مناصب الشغل القارة بها، العتبات التي ستحدد بنص تنظيمي.

وهناك آلية الدعم الخاصة المرتبطة بالمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي إلى جانب تدابير خاصة للدعم موجهة إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة وتلك الرامية إلى تشجيع وجود المقاولات المغربية على الصعيد الدولي.

وتطبيقا للتعليمات الملكية السامية، عملت الحكومة، منذ سنة 2019، على إعداد وتفعيل الإصلاح العميق للمراكز الجهوية للاستثمار، وقد ركز هذا الإصلاح بشكل أساسي على توسيع مهام هذه المراكز، وتجويد حكامتها، وتعزيز قدراتها التدبيرية، وعلى إحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار لفحص ملفات الاستثمار وكذا تبسيط الإجراءات المرتبطة به.

وقد تم تكريس هذا الإصلاح بالأساس عن طريق المصادقة على القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، ونشره بالجريدة الرسمية سنة 2019، والذي مكن من تحويل هذه المراكز إلى مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية. إضافة إلى ذلك، واكب إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار اعتماد رافعة رئيسية رقمية وذلك من أجل تسريع عملية الاستثمار وتسهيل الإجراءات الإدارية المرتبطة بها.

وفي هذا الإطار، أكد الخطاب الملكي الذي وجهه الملك إلى مجلس النواب بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، على أن المراكز الجهوية للاستثمار، مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار، في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود. وفي المقابل، ينبغي أن تحظى بالدعم اللازم، من طرف جميع المتدخلين، سواء على الصعيد المركزي أو الترابي.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى